بسم الله الرحمن الرحيم
خــــواطــرُ راقٍ
(1)
استعجال النتائج
حين يُبتلى الإنسان بنوع من المس ، أو السحر ، أو العين : تراه متألما حزيناً لواقع الحال التي هو فيها ، وحُقَّ له ذلك < فليست الناحة الثكلى ، كالنائحة المستأجرة > ..
ولمّا كانت المعانة تتنوع على المبتلى بتنوع أفعال العوارض الروحية تحقيقاً لمقاصدها الخبيثة ؛ نرى ذلك الإنسان باحثاً عن النتائج السريعة المحققة لعافيته ، فيكون منه الاجتهاد والبحث عن جميع الوسائل للوصول إلى غاية الشفاء ، ومع مرور الأيام وطول فترة الصراع مع تلك الأرواح ؛ يكون منه الانهزام والتخاذل .. والرضى بالواقع المرضي ..
وهنا يقال مناصرةً وتثبيتاً لذلك المبتلى :
اعلم أيها المريض : أن نظام الحياة التي نعيشها له إرادة كونية قدره الله سلفاً قبل خلق الكون بخمسين ألف سنة ، وهذا التقدير الحكيم : أن النتائج السريعة والعاجلة في تحقيق الأمور بأنواعها لا يكون في غالب التقدير الإلهي ؛ بل القدر الكوني يدل على أن الحياة الدنيا مرحلة مؤقتة ، وإنما الحياة الحقيقية هي الآخرة ، ولهذا كان الشارع الحكيم لا ينظر فقط إلى ما يمكن أن يعمله الإنسان الآن ؛ وإنما ما يستقيم عليه ويعمله باستمرار ..
وحين ننظر في جوانب التشريع والطلب : نرى التوازن بين العمل الحاضر والاستمرارية عليه .. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال : (من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها، قال : مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه ) .
فنجد هذا الحديث وغيره أنه حتى في أمور العبادة لابد من الاقتصاد في فعلها ؛ حتى لا يكون الانقطاع وترك الاستمرارية عليها..
وكذلك في جميع مطالب الدين موافقةً لطبيعة الإنسان التي خلق عليها .
وهذه الاستمرارية تكون بالمداومة على العبادة وغيرها ، وإن قلة الأعمال أحياناً .
ومن القواعد النبوية الموافقة للفطرة البشرية ، قوله صلى الله عليه وسلم حينما سُئل عن أحب العمل إلى الله فقال : ( أدومه ، وإن قل ) رواه مسلم .
والمبتلى بالمس ، أو السحر .. قد يكون منه الاجتهاد البالغ في درء هذه النازلة به ظناً من أن ذلك يحقق له النتائج السريعة في إزالة العلة عنه ؛ فإذا ما طال بقاؤها ، وتنوعت أفعالها المدافعة عن نفسها ، والمحطمة لذلك الإنسان ؛ عندئذ يكون من المريض الفتور والرضوخ للحالة المرضية ، ويتحقق للجان ما أراد من تيئيس لذلك المبتلى .
ومما يعين العبد في هذا الموطن هو المواصلة المتزنة في إزالة العلة عن نفسه وغيره ، وعليه بضبط اجتهاده والاستمرار عليه ؛ حتى يتحقق النصر المنشود .. وقد جاء في التنزيل ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) .
وفي الحديث : (وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ) .
والله هو الموفق والناصر والشافي لارب سواه
.
بقلم
أبي عبد الرحمن حسن بن محمد اليوسف .
10/صفر / 1430