الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينتا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعـــــد :
فمِمَّا ينبغي أن يُعـلمَ : أن تحديدَ زمنٍ للشفاء من الأمراض مُمْتَنِعٌ شرعاً وعقلاً :
فأمَّا الشرع:فلأنَّ ذلك علمه عند الله سبحانه وتعالى .
أخـرج مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه -عن رسول الله صلى r أنه قـال : ( لكل داء دواء ؛ فإذا أصيب دواء الـداء ، برأ بإذن الله عزَّ وجل ) .
وأمَّا دليل العقل : فحاكم الوجود ؟! فالناظر في الوقع يعلم صحة ذلك، وإنكار الموجود دفع بالصدر، ونوع من السفسطة ؟! .
ومن أهمِّ أسباب طول علاج المبتلى بمسٍّ من الجن ،وعِلُمُ ذلك بالاستقراء والتتبع لكثيرٍ من الحالات : هو بُعْدُ المريض عَن طاعة الله سبحانه وتعالى ،وفعل المعاصي التي تعين الجنَّ على طول البقاء في أجساد البشر والله المستعان .
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد ( 4/127) : ( وعند السحرة : أَنَّ سِحرَهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة ، والنفوس الشهوانية التي هي معلَّقةٌ بالسُّفليات، ولهذا غالب ما يؤثر: في النساء والصبيان ، والجـهال وأهــل البوادي،ومن ضعف حَظُّه من الدين والتـوكل والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوذات النبوية.
وبالجملة : فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، التي يكون ميلها إلى السفليات .
قالوا : والمسحور هو الذي يعين على نفسه؛ فإنَّا نجدُ قلبه متعلقاً بشيء كثير الالتفات إليه ؛ فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات.
والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسلُّطها عليها ، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوة الإلهية ، وعدم أخذها للعُدَّة التي تحاربها بها ؛ فتجدها فارغة لا عدة معها ، وفيها ميل إلى ما يناسبها ؛فتتسلط عليها ،ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره . والله أعلم ) .
وهناك أسباب أخرى تُنظر في كتابنا(شرح النصائح الحسان ) (1/195) .
فـائدة : قد يقول قائلٌ : إذا كان نبيٌّ الإسلام صلى r مع عظيم مقامه ،وصدق توجهه ، وملازمته للأوراد والدعوات ، ومع ذلك أصيب بالسحر ؛ فما هو الجمع بين الكلام المنقول عن الإمام ابن القيم وإصابة النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر؟! .
فيقال جواباً عن هذا الإشكال، ما قاله الحافظ ابن حجر-رحمه الله – في فتح الباري(10/235) : (ويُعَكِّر عليه - أي الكلام المنقول عن الإمام ابن القيم - :جواز السحر على النبي صلى r مع عظيم مقامه، وصدق توجهه ، وملازمة وِرْدِهِ ؛ ولكنْ يمكن الانفصال عن ذلك:بأنَّ الذي ذكره محمول على الغالب، وأنَّ ما وقع به صلى r لبيان تجويز ذلك . والله أعلم ) .
وكتب محبكم / أبوعبد الرحمن ..