بسم الله الرحمن الرحيم
( الإحسان طريقك إلى رفع الهموم والأحزان )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بـــــــــــــــــــــعد : فقد جاءت شريعة الإسلام مخبرةً : أنَّ البلاء لا يتخطى الصدقة ؛ فالصدقة والإحسان ، والبذل والعطاء : من مهمات الأسباب في دفع المصائب والكروب والشدائد المخوِّفة، ولها التأثير البالغ - بإذن الله تعالى- في رفع البلايا والهموم والأحزان والأمراض الحالَّة .. وواقع الوجود المشاهد ،والتجربة الحاصلة : دليل صادق على ذلك ..
يقو الإمام ابن القيم-رحمه الله- في الوابل الصيب(ص37) :
(فإنَّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافرٍ ، فإنَّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء ،وهذا أمرٌ معلوم عند الناسِ خاصتهم وعامتهم ،وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه ) .
ومن الوارد في ذلك :
ما روته أمُّ سلمة -رضي الله عنها – قـالت :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (صنائع المعروف تقي مصارع السوء،والصدقةُ خفيَّاً تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر،وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ) صحيح الترغيب: (1/532) .
وروى الحاكم في المستدرك من حديث أنس-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (صنائع المعــروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات،وأهـل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ) صحيح .
يقول المناوي-رحمه الله- في فيض القدير(4/206) :
(هذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله قال علي -رضي الله عنه-: لا يزهدك في المعروف كفر من كفر فقد يشكره الشاكر أضعاف جحود الكافر .
قال الماوردي : فينبغي لمن قدر على ابتداء المعروف أن يعجله حَذراً من فوته ، ويبادر به خيفة عجزه ،ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه ، ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه ، فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندمـاً ، ومعـولٍّ على مكنة زالت فأورثت خجـلاً،ولو فطن لنوائب دهره ، وتحفظ من عواقب فكره ؛لكانت مغارمه مدحورة ،ومغانمه محبورة .وقيل : من أضاع الفرصة عن وقتها ، فليكن على ثقة من فوتها ) .
وعند البخاري في صحيحه عندما حدث كسوف الشمس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس : ( فإذا رأيتم ذلك فادعـوا الله وكـبروا وصلُّوا وتصدقوا ) .
قال الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله- في إحكام الإحكام(2/141)عند شرحه للحديث: (وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لاستدفاع البلاء المحذور) .
وعند الترمذي وغيره من حديث معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة ،وتؤتي الزكاة ،وتصوم رمضان وتحج البيت ،ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة ،والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار،وصلاة الرجل من جوف الليل، قــــــــــال ثم تلا : ) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ) صحيح .
وفي المسند للإمام أحمد ومستدرك الحاكم ومسند أبي يعلى من حديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لكعب ابن عجرة : ( يا كعب بن عجرة !: الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئـــــــــة كمــــا تطفئ الماءُ النارَ، يا كعب بن عجرة! الناس غاديان فمبتاع نفسَه فمعتقها ، وبائع نفسَه فمُوبِقها )صحيح .
ومن فوائد الإحسان إلى الناس : أنه طريق ناجح إلى سعادة المحسن ؛ فبالبذل والعطاء : ينشرح الصدر ، ويزول الهم والكرب .. ؛ بل إنَّ المحسن من أشرح الناس صدرًا ، ومن أكثرهم راحةً ونعيماً ، فالمسرات والأفراح كلها محضرة لديه ، ومسارعة إليه .. ومن دلائل الشرع قوله تعالى : ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(سورة البقرة،الآية:274.
ولا يُقصر الإحسان على البذل بالمال ، فالإحسان وصف عام يندرج فيه كل فعل للخير يستطيعه المسلم ، ومن ذلك : ابتسامتك في وجه أخيك المؤمن صدقة وإحسان ، إعانتك لذي الحاجة والملهوف هي من الإحسان ، الذب عن عرض المؤمنين من الألسنة الجارحة ، والقلوب المريضة نوع كبير من الإحسان .. دلالتك على الخير إن لم تستطع فعله شيء عظيم من الإحسان ..
يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( على كل مسلم صدقة، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قالوا فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف: قالوا فإن لم يفعل؟ فليأمر بالخير أو قال بالمعروف، قال فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر فإنه له صدقة) أخرجه البخاري .
جعلني الله وإياكم من المحسنين ، وسلك بنا سبحانه سبيل المصلحين .. والحمد لله رب العالمين .
وكتب / أبو عبدالرحمن اليوسف
16 جمادى الآخرة 1432