أحوال الناس مع العلم والعمل
قال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى في سير أعلام النّبلاء ( 7 / 152 - 153 ) :
فقد كان السّلف يطلبون العلم لله فنبلوا، وصاروا أئمّة يُقتدى بهم ،
وطلبه قومٌ منهم أوَلًا لا لله، وحصلوه، ثمّ اسْتفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فَجرّهُم العلمُ إلى الإخلاص في أثناء الطّريق ،
كما قال مجاهد وغيره : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبيرُ نيَّة، ثمّ رزق الله النِّية بعدُ ،
وبعضهم يقولُ : طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلاّ لله .
فهذا أيضًا حسن، ثمّ نشروه بِنِيَّةٍ صالحة .
وقَومٌ طَلبوه بنِيَّة فاسدة لأجل الدُّنيا ، وليُثنَى عليهم، فلهم ما نووا :
قال عليه السّلام : ( مَنْ غَزا يَنْوي عِقالًا فَلَه ما نَوَى ) [1] .
وترى هذا الضّرب لم يَسْتَضيؤوا بنور العلم، ولا لهم وقعٌ في النُّفوس ،
ولا لعلمهم كبير نتيجة مِنَ العمل ،
وإنّما العالِمُ مَنْ يخشى الله تعالى .
وقومٌ نالوا العلم ، وَوَلُوا به المناصِبَ ، فظلموا،
وتركوا التَّقيُّد بالعلم،
وركبوا الكبائر والفواحش،
فتبًا لهم، فما هؤلاء بعلماء !
وبعضهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرُّخَص، وروىٰ الشَّاذّ من الأخبار .
وبعضهم اجْتَرَأ على الله، ووضع الأحاديث، فَهَتَكَه اللهُ، وذهب عِلمُه ،
وصار زاده إلى النّار .
وهؤلاء الأقسام كلهم رَوَوا من العلم شيئًا كبيرًا،
وتَضلَّعوا منه في الجملة ، فَخلَف مِنْ بعدهم خلفٌ بانَ نَقصُهم في العلم والعمل ،
وتلاهم قومٌ انْتموا إلى العلم في الظّاهر،
ولم يتقنوا منه سوى نَزْرٍ يسير ،
أوْهَموا به أنّهم علماء فُضَلاء ،
ولم يَدُرْ في أذهانهم قَطُّ أنّهم يَتقرَّبون به
إلى الله،
لأنّهم ما رَأوا شيخًا يُقتدى به في العلم ،
فصاروا همجًا رَعاعًا،
غايةُ المدَرِّس منهم أنْ يَحصل كتبًا مُثمَّنة يَخزُنها وينظر فيها يومًا ما،
فيصحِّف ما يُورده ولا يُقَرِّره .
فنسأل الله النّجاة والعفو،
كما قال بعضهم :
ما أنا عالِمٌ ولا رأيت عالماً . اهـ
[ 1 ] أخرجه أحمد : 5 / 315،
والدارمي : 2 / 208،
والنَسائي : 6 / 24،
من حديث عبادة ابن الصّامت، مرفوعًا،
بلفظ : ( من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلاّ عقالًا، فله ما نوى ) .
وفي سنده يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصّامت، لم يوثقه غير ابن حِبان، وباقي رجاله ثقات .