طفولة ولكن ...
كان الجسد هزيل والملابس مهترئة شاحبة كشحوب صاحبها ..
صبي في الثامنة من العمر .. أثقلت الهموم محيَّاه ..
فأكسبته ملامح الألم الغائرة ..
دخل إلى أحد المطاعم الفخمة ..
ولكن ما أن ولج حتى أستوقفه الحارس ..
ــ توقف يا هذا ..إلى أين تظن أنك ذاهب ..؟
ألتفت الصبي إلى الحارس ..
ــ عفواً ..سيدي ..أريد عملاً ...!!
ــ هه... أنت ..!!!
أخرج من هنا فوراً ، فلسنا نأوي القطط الضالة.
ــ ولكن... يا سيدي ...أنا ...
أمسكه الحارس من ذراعه شرزاً وألقى به خارجاً..
نهض الطفل وملامح الألم الغائرة تزداد عمقاً..
كانت الآلام تعصف بفوائده ..
والخوف يعتصر قلبه الصغير الكبير ..
ولكن دافعه أقوى من الاستسلام..
كان يضع بين ناظريه أخويه الصغيرين في سن الخامسة والثالثة..
توفي والداهم بسبب الحروب..
وأقاموا وحدهم في بيتهم الصغير شبه المهجور..
يرزحون تحت وطأة الفقر واليتم والتشرد..
وقف أمام المطعم لحاجة في نفسه ..
وسط انهمار النظرات ..وسيل العبارات الساخرة واللامبالية والمشفقة..
حتى لاح له من بين تلك الجموع ملامح هادئة بدت عليها أمارات الحنو والأمان..
دون تردد تقدم إليه وحياه ..
ــ السلام عليكم ..
سيدي ..هل لك أن تجد لي عملٌ عندك...؟
نظر إليه الرجل في عقده الخامس .. بوجه يكسوه الوقار ..واضعاً يده على رأسه مداعباً خصلاته الطويلة قائلاً..
ــ أي عملٍ يا بنيَّ...؟
أنت طفل ..أترابك على مقاعد الدراسة ، فأين أنت منها ..؟
ــ سيدي إني رجل في جسد طفل .
فقد أنضجتني الأيام ..
وصقلتني ألآلام ..
وحنكتني الظروف..
إني رجل ألمي جائر ..
وجرحي غائر..
وقلبي ثائر..
فأين هي ملامح الطفولة ...؟
إني يتيم وقلبي سقيم ..
وفي عنقي يتيم ويتيم ..!!
كتبته :أم سلمى2
بتاريخ 24ـ جمادي الآخر1429 هـ
الموافق 28ـ 6 ـ 2008