موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:46 AM   #1
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

Post من حكم الإمام ابن حزم الظاهري رضي الله عنه

من حكم الإمام ابن حزم الظاهري رضي الله عنه
من كتاب مداواة النفوس وإصلاح الأخلاق


ووجدت للعمل للآخرة سالما من كل عيب خالصا من كل كدر موصلا إلى طرد الهم على الحقيقة ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبه ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد
==========================
لا مروءة لمن لا دين له
=====================
العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة
=========================
العقل والراحة
وهو اطراح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل بل هذا باب العقل والراحة كلها من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه العجب فأفسد بذلك فضائله وإن كان بباطل فبلغه فسره فقد صار مسرورا بالكذب وهذا نقص شديد وأما ذم الناس إياه فإن كان بحق فبلغه فربما كان ذلك سببا إلى تجنبه ما يعاب عليه وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص وإن كان بباطل وبلغه فصبر اكتسب فضلا زائدا بالحلم والصبر وكان مع ذلك غانما لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل فيحظى بها في دار الجزاء أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها ولا تكلفها وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون
فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاعات ونفرت من الرذائل والمعاصي والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الفضائل والطاعات
========================
طالب الآخرة ليفوز في الآخرة متشبه بالملائكة وطالب الشر متشبه بالشياطين وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع وطالب اللذات متشبه بالبهائم وطالب المال لعين المال لا لينفقه في الواجبات والنوافل المحمودة أسقط وأرذل من أن يكون له في شيء من الحيوان شبه ولكنه يشبه الغدران التي في الكهوف في المواضع الوعرة لا ينتفع بها شيء من الحيوان فالعاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات وهي التمييز الذي يشارك فيه الملائكة فمن سر بشجاعته التي يضعها في غير موضعها لله عز وجل فليعلم أن النمر أجرأ منه وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه ومن سر بقوة جسمه فليعلم أن البغل والثور والفيل أقوى منه جسما ومن سر بحمله الأثقال فليعلم أن الحمار أحمل منه ومن سر بسرعة طالب الآخرة ليفوز في الآخرة متشبه بالملائكة وطالب الشر متشبه بالشياطين وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع وطالب اللذات متشبه بالبهائم وطالب المال لعين المال لا لينفقه في الواجبات والنوافل المحمودة أسقط وأرذل من أن يكون له في شيء من الحيوان شبه ولكنه يشبه الغدران التي في الكهوف في المواضع الوعرة لا ينتفع بها شيء من الحيوان فالعاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات وهي التمييز الذي يشارك فيه الملائكة فمن سر بشجاعته التي يضعها في غير موضعها لله عز وجل فليعلم أن النمر أجرأ منه وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه ومن سر بقوة جسمه فليعلم أن البغل والثور والفيل أقوى منه جسما ومن سر بحمله الأثقال فليعلم أن الحمار أحمل منه ومن سر بسرعة عدوه فليعلم أن الكلب والأرنب أسرع عدوا منه ومن سر بحسن صوته فليعلم أن كثيرا من الطير أحسن صوتا منه وأن أصوات المزامير ألذ وأطرب من صوته فأي فخر وأي سرور في ما تكون فيه هذه البهائم متقدمة عليه لكن من قوي تمييزه واتسع علمه وحسن عمله فليغتبط بذلك فإنه لا يتقدمه في هذه الوجوه إلا الملائكة وخيار الناس قول الله تعالى ) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ( جامع لكل فضيلة لأن نهي النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي وعن الطبع الشهواني لأن كليهما واقع تحت موجب الهوى فلم يبق إلا استعمال النفس للنطق الموضوع فيها الذي به بانت عن البهائم والحشرات والسباع.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:49 AM   #2
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

العلم
لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويجلونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك لكان ذلك سببا إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سببا إلى وجوب الفرار عنه فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم فتشاغلوا عما ذكرنا بالشطرنج والنرد والخمر والأغاني وركض الدواب في طلب الصيد وسائر الفضول التي تعود بالمضرة في الدنيا والآخرة
=========================================
أنظر في المال والحال والصحة إلى من دونك وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك
=========================================
إياك وأن تسر غيرك بما تسوء به نفسك فيما لم توجبه عليك شريعة أو فضيلة وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عز وجل لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون
=========================================
من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله {صلى الله عليه وسلم**وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه أعاننا الله على الإتساء به بمنه آمين
=================================
غاظني أهل الجهل مرتين من عمري إحداهما بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي والثانية بسكوتهم عن الكلام بحضرتي فهم أبدا ساكتون عما ينفعهم ناطقون فيما يضرهم وسرني أهل العلم مرتين من عمري إحداهما بتعليمي أيام جهلي والثانية بمذاكرتي أيام علمي من فضل العلم والزهد في الدنيا أنهما لا يؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومستحقهما
==================================

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:51 AM   #3
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الأخلاق والسير
احرص على أن توصف بسلامة الجانب وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك حتى ربما أضر ذلك بك وربما قتلك
========================
وطن نفسك على ما تكره يقل همك إذا أتاك ويعظم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدرته إذا تكاثرت الهموم سقطت كلها الغادر يفي للمجدود والوفي يغدر بالمحدود والسعيد كل السعيد في دنياه من لم يضطره الزمان إلى اختبار الإخوان
=============================
لا تفكر فيمن يؤذيك فإنك إن كنت مقبلا فهو هالك وسعدك يكفيك وإن كنت مدبرا فكل أحد يؤذيك
===============================
طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها
=======================
الصبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام :
فصبر عمن يقدر عليك ولا تقدر عليه
وصبر عمن تقدر عليه ولا يقدر عليك
وصبر عمن لا تقدر عليه ولا يقدر عليك
فالأول ذل ومهانة وليس من الفضائل والرأي لمن خشي ما هو أشد مما يصبر عليه المتاركة والمباعدة .
والثاني فضل وبر وهو الحلم على الحقيقة وهو الذي يوصف به الفضلاء
والثالث ينقسم قسمين:
إما أن يكون الجفاء ممن لم يقع منه إلا على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه فالصبر عليه فضل وفرض وهو حلم على الحقيقة
وأما من كان لا يدري مقدار نفسه ويظن أن لها حقا يستطيل به فلا يندم على ما سلف منه فالصبر عليه ذل للصابر وإفساد للمصبور عليه لأنه يزيد استشراء والمقارضة له سخف والصواب إعلامه بأنه كان ممكنا أن ينتصر منه وإنه إنما ترك ذلك استرذالا له فقط وصيانة عن مراجعته ولا يزاد على ذلك
وأما جفاء السفلة فليس جزاؤه إلا النكال وحده
=====================================

من جالس الناس لم يعدم هما يؤلم نفسه وإثما يندم عليه في معاده وغيظا ينضج كبده وذلا ينكس همته فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها لو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا أحدهما الاسترسال عند الأنس بالأسرار المهلكة القاتلة التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح والثاني مواقعة الغلبة المهلكة في الأخرة فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جمل
=======================

لا تحقر شيئا من عمل غد أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قل فإن من قليل الأعمال يجتمع كثيرها وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل
==========================
ولا تحقر شيئا مما ترجو به تثقيل ميزانك يوم البعث أن تعجله الآن وإن قل فإنه يحط عنك كثيرا لو اجتمع لقذف بك في النار
====================
الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحس أذاها إلا من كان فيها ولا يعلمه من كان خارجا عنها
=====================
فساد الرأي والعار والإثم لا يعلم قبحها إلا من كان خارجا عنها وليس يراه من كان داخلا فيها
=======================
الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها إلا من كان خارجا عنها وليس يعرف حقها من كان فيها
====================
وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن من أهلها
======================
أول من يزهد في الغادر من غدر له الغادر وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزني بها
=====================
إجهد في أن تستعين في أمورك بمن يريد منها لنفسه مثل ما تريد لنفسك ولا تستعن فيها بمن حظه من غيرك كحظه منك
===================
لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله فإن من نقل إليك كذبا رجع من عندك بحق
===========================
ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك
======================
من استخف بحرمات الله تعالى فلا تأمنه على شيء مما تشفق عليه

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:53 AM   #4
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

وجدت المشاركين بأرواحهم أكثر من المشاركين بأموالهم هذا شيء طال إختباري إياه ولم أجد قط على طول التجربة سواه فأعيتني معرفة العلة في ذلك حتى قدرت أنه طبيعة في البشر
=====================
من قبيح الظلم الإنكار على من أكثر الإساءة إذا أحسن في الندرة
========================
أشبه ما رأيت بالدنيا خيال الظل وهي تماثيل مركبة على مطحنة خشب تدار بسرعة فتغيب طائفة وتبدو أخرى
=====================
من استراح من عدو واحد حدث له أعداء كثيرة
=============================
طال تعجبي في الموت وذلك أني صحبت أقواما صحبة الروح للجسد من صدق المودة فلما ماتوا رأيت بعضهم في النوم ولم أر بعضهم وقد كنت عاهدت بعضهم في الحياة على التزوار في المنام بعد الموت إن أمكن ذلك فلم أره في النوم بعد أن تقدمني إلى دار الآخرة
==========================
إنما تأنس النفس بالنفس فأما الجسد فمستثقل مهروم به ودليل ذلك استعجال المرء بدفن جسد حبيبه إذا فارقته نفسه وأسفه لذهاب النفس وإن كانت الجثة حاضرة بين يديه
=====================
لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته إحداهما اعتذار من أساء بأن فلانا أساء قبله والثانية استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره فقد صارت هاتان الكلمتان عذرا مسهلتين للشر ومدخلتين له في حد ما يعرف ويحمل ولا ينكر
======================
استعمل سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ فتربح راحة النفس
============================
حد الجود وغايته أن تبذل الفضل كله في وجوه البر وأفضل ذلك في الجار المحتاج وذي الرحم الفقير وذي النعمة الذاهبة والأحضر فاقة ومنع الفضل من هذه الوجوه داخل في البخل وعلى قدر التقصير والتوسع في ذلك يكون المدح والذم وما وضع في غير هذه الوجوه فهو تبذير وهو مذموم وما بذلت من قوتك لمن هو أمس حاجة منك فهو فضل وإيثار وهو خير من الجود وما منع من هذا فهو لا حمد ولا ذم وهو انتصاف بذل الواجبات فرض وبذل ما فضل عن القوت جود والإيثار على النفس من القوت بما لا تهلك على عدمه فضل ومنع الواجبات حرام ومنع ما فضل عن القوت بخل وشح والمنع من الإيثار ببعض القوت عذر ومنع النفس أو الأهل القوت أو بعضه نتن ورذالة ومعصية والسخاء بما ظلمت فيه أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر والذم جزاء ذلك لا الحمد لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك وإعطاء الناس حقوقهم مما عندك ليس جودا ولكنه حق حد الشجاعة بذل النفس للموت عن الدين والحريم وعن الجار المضطهد وعن المتسجير المظلوم وعن الهضيمة ظلما في المال والعرض وفي سائر سبل الحق سواء قل من يعارض أو كثر والتقصير عما ذكرنا جبن وخور وبذلها في عرض الدنيا تهور وحمق وأحمق من ذلك من بذلها في المنع عن الحقوق الواجبات قبلك أو قبل غيرك وأحمق من هؤلاء كلهم قوم شاهدتهم لا يدرون فيما يبذلون أنفسهم فتارة يقاتلون زيدا عن عمرو وتارة يقاتلون عمرا عن زيد ولعل ذلك يكون في يوم واحد فيتعرضون للمهالك بلا معنى فينقلبون إلى النار أو يفرون إلى العار وقد أنذر بهؤلاء رسول الله {صلى الله عليه وسلم**في قوله ( يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل )

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:56 AM   #5
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

حد العفة أن تغض بصرك وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحل لك فما عدا هذا فهو عهر وما نقص حتى يمسك عما أحل الله تعالى فهو ضعف وعجز
=============
حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه وحد الجور أن تأخذه ولا تعطيه
==============
وحد الكرم أن تعطي من نفسك الحق طائعا وتتجافى عن حقك لغيرك قادرا وهو فضل أيضا وكل جود كرم وفضل وليس كل كرم وفضل جودا فالفضل أعم والجود أخص إذ الحلم فضل وليس جودا والفضل فرض زدت عليه نافلة
===========================================
إهمال ساعة يفسد رياضة سنة
=================
وأنا أوصي بذلك كل من يبلغه كلامي فلن ينفعه اتباعه الناس في الباطل والفضول إذا أسخط ربه تعالى وغبن عقله أو آلم نفسه وجسده وتكلف مؤونة لا فائدة فيها
==================
النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون كاذبا وإما أن يكون صادقا فإن كان كاذبا فلقد عجل الله لي الانتصار منه على لسان نفسه بأن حصل في جملة أهل الكذب وبأن نبه علي فضلي بأن نسب إلي ما أنا منه بريء العرض وما يعلم أكثر السامعين له كذبه إما في وقته ذلك وإما بعد بحثهم عما قال وإن كان صادقا فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه إما أن أكون شاركته في أمر استرحت إليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة وأمانة فهذا أسوأ الناس حالة وكفى به سقوطا وضعة وإما أن يكون عابني بما يظن أنه عيب وليس عيبا فقد كفاني جهله شأنه وهو المعيب لا من عاب وإما أن يكون عابني بعيب هو في على الحقيقة وعلم مني نقصا أطلق به لسانه فإن كان صادقا فنفسي أحق بأن ألوم منه وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني بالحق وأما أمر إخواني فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم لكني امتعض امتعاضا رقيقا لا أزيد فيه أن أندم القائل منهم بحضرتي وأجعله يتذمم ويعتذر ويخجل ويتنصل وذلك بأن أسلك به طريق ذم من نال من الناس وأن نظر المرء في أمر نفسه والتهمم بإصلاحها أولى به من تتبع عثرات الناس وبأن أذكر فضل صديقي فأبكته على اقتصاره على ذكر العيب دون ذكر الفضيلة وأن أقول له إنه لا يرضى بذلك فيك فهو أولى بالكرم منك فلا ترض لنفسك بهذا أو نحو هذا من القول وأما أن أهارش القائل فأحميه وأهيج طباعه وأستثير غضبه فينبعث منه في صديقي أضعاف ما أكره فأنا الجاني حينئذ على صديقي والمعرض له بقبيح السب وتكراره فيه وإسماعه من لم يسمعه والإغرار به وربما كنت أيضا في ذلك جانيا على نفسي ما لا ينبغي لصديقي أن يرضاه لي من إسماعي الجفاء والمكروه وأنا لا أريد من صديقي أن يذب عني بأكثر من الوجه الذي حددت فإن تعدى ذلك إلى أن يساب النائل مني حتى يولد بذلك أن يتضاعف النيل وأن يتعدى أيضا إليه بقبيح المواجهة وربما إلى أبوي وأبويه على قدر سفه النائل ومنزلته من البذاءة وربما كانت منازعة بالأيدي فأنا مستنقص لفعله في ذلك زار عليه متظلم منه غير شاكر له لكني ألومه على ذلك أشد اللوم وبالله تعالى التوفيق
========================

وذمني أيضا بعض من تعسف الأمور دون تحقيق بأني أضيع مالي وهذه جملة بيانها أني لا أضيع منه إلا ما كان في حفظه نقص ديني أو إخلاق عرضي أو إتعاب نفسي فإني أرى الذي أحفظ من هذه الثلاثة وإن قل أجل في العوض مما يضيع من مالي ولو أنه كل ما ذرت عليه الشمس ووجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه وعلى الحق وإيثاره فما استعنت على قمع هذه الطوالع الفاسدة وعلى كل خير في الدين والدنيا إلا بما في قوتي من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى وأما من طبع على الجور واستسهاله وعلى الظلم واستخفافه فلييأس من يصلح أن نفسه أو يقوم طباعه أبدا وليعلم أنه لا يفلح في دين ولا في خلق محمود وأما الزهو والحسد والكذب والخيانة فلم أعرفها بطبعي قط وكأنني لا حمد لي في تركها لمنافرة جبلتي إياها والحمد لله رب العالمين
=========================
لو علم الناقص نقصه لكان كاملا
=====================
لا يخلو مخلوق من عيب فالسعيد من قلت عيوبه ودقت أكثر ما يكون ما لم يظن فالحزم هو التأهب لما يظن فسبحان من رتب ذلك ليري الإنسان عجزه وافتقاره إلى خالقه عز وجل

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 11:58 AM   #6
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الإخوان والصداقة والنصيحة
العتاب للصديق كالسبك للسبيكة فإما تصفو وإما تطير
===================
لا ترغب فيمن يزهد فيك فتحصل على الخيبة والخزي
====================
لا تزهد فيمن يرغب فيك فإنه باب من أبواب الظلم وترك مقارضة الإحسان وهذا قبيح
======================
من امتحن بأن يخالط الناس فلا يلق بوهمه كله إلى من صحب ولا يبن منه إلا على أنه عدو مناصب ولا يصبح كل غداة إلا وهو مترقب من غدر إخوانه وسوء معاملتهم مثل ما يترقب من العدو المكاشف فإن سلم من ذلك فلله الحمد وإن كانت الأخرى ألفي متأهبا ولم يمت هما وأنا أعلمك أن بعض من خالصني المودة وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضى تغير علي أقبح تغير بعد اثنى عشر عاما متصلة في غاية الصفاء ولسبب لطيف جدا ما قدرت قط أنه يؤثر مثله في أحد من الناس وما صلح لي بعدها ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة هما شديدا ولكن لا تستعمل مع هذا سوء المعاملة فتلحق بذوي الشرارة من الناس وأهل الحب منهم ولكن هاهنا طريق وعرة المسلك شاقة المتكلف يحتاج سالكها إلى أن يكون أهدى من القطا وأحذر من العقعق حتى يفارق الناس راحلا إلى ربه تعالى وهذه الطريق هي طريق الفوز في الدين والدنيا يحرز صاحبها صفاء نيات ذوي النفوس السليمة والعقود الصحيحة البرآء من المكر والخديعة ويحوي فضائل الأبرار وسجايا الفضلاء ويحصل مع ذلك على سلامة الدهاة وتخلص الخبثاء ذوي النكراء والدهاء وهي أن تكتم سر كل من وثق بك وأن لا تفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه وإن كان أخص الناس بك وأن تفي لجميع من ائتمنك ولا تأمن أحدا على شيء من أمرك تشفق عليه إلا لضرورة لا بد منها فارتد حينئذ واجتهد وعلى الله تعالى الكفاية وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه وإن لم يعتمدك بالرغبة ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل ولا تبن إلا على أن من أحسنت إليه أول مضر بك وساع عليك فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم وعامل كل أحد في الإنس أحسن معاملة وأضمر السلو عنه إن فات ببعض الآفات التي تأتي مع مرور الأيام والليالي تعش مسالما مستريحا
========================
لا تنصح على شرط القبول ولا تشفع على شرط الإجابة ولا تهب على شرط الإثابة لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف
===================
حد الصداقة الذي يدور على طرفي محدوده هو أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر ويسره ما يسره فما سفل عن هذا فليس صديقا ومن حمل هذه الصفة فهو صديق وقد يكون المرء صديقا لمن ليس صديقه وأما الذي يدخل في باب الإضافة فهو المصادق فهذا يقتضي فعلا من فاعلين إذ قد يحب الإنسان من يبغضه وأكثر ذلك في الآباء مع الأبناء وفي الإخوة مع إخوتهم وبين الأزواج وفيمن صارت محبته عشقا وليس كل صديق ناصحا لكن كل ناصح صديق فيما نصح ف
=========================
وحد النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه وأن يسره ما نفعه سر الآخر أو ساءه فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها من شاركك بنفسه وبماله لغير علة توجب ذلك وآثرك على من سواك.
========================
ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء فإن ذلك فضيلة تامة متركبة لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم والجود والصبر والوفاء والاستضلاع والمشاركة والعفة وحسن الدفاع وتعليم العلم وبكل حالة محمودة ولسنا نعني الشاكرية والأتباع أيام الحرمة فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك ودليل ذلك إنحرافهم عند إنحراف الدنيا ولا نعني أيضا المصادقين لبعض الأطماع ولا المتنادمين على الخمر والمجتمعين على المعاصي والقبائح والمتألفين على النيل من أعراض الناس والأخذ في الفضول وما لا فائدة فيه فليس هؤلاء أصدقاء ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية وإما لنفس المحبة المجردة فقط ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم وصعوبة الحال في إرضائهم والغرر في مشاركتهم وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم فإن غدرت بهم أو أسلمتهم لؤمت وذممت وإن وفيت أضررت بنفسك وربما هلكت وهذا الذي لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم
===========================
وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه ولقد صح عندي أن بعض السائسين للدنيا لقي رجلا من أهل الأذى للناس وقد قلد بعض الأعمال الخبيثة فقابله بالثناء عليه وبأنه قد سمع شكره مستفيضا ووصفه بالجميل والرفق منتشرا فكان ذلك سببا إلى إقصار ذلك الفاسق عن كثير من شره بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة لأن من سمع إنسانا يذم آخر ظالما له أو يكيده ظالما له فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد كان الكاتم لذلك ظالما مذموما ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى فيكون ظالما له وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول والرأي للعاقل في مثل هذا أن يحفظ المقول فيه من القائل فقط دون أن يبلغه ما قال لئلا يقع في الاسترسال زائد فيهلك وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد ولا يزد على هذا شيئا وأما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه وبالله التوفيق

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 12:00 PM   #7
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

من طوى من إخوانك سره الذي يعنيك دونك أخون لك ممن أفشى سرك لأن من أفشى سرك فإنما خانك فقط ومن طوى سره دونك منهم فقد خانك واستخونك
=============================
النصيحة مرتان فالأولى فرض وديانة والثانية تنبيه وتذكير وأما الثالثة فتوبيخ وتقريع وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام اللهم إلا في معاني الديانة فواجب على المرء تزداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ وإذا نصحت فانصح سرا لا جهرا وبتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلا بد من التصريح ولا تنصح على شرط القبول منك فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة لكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده
=====================
لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك فإن طلبت أكثر فأنت ظالم ولا تكسب إلا على شرط الفقد ولا تتول إلا على شرط العزل وإلا فأنت مضر بنفسك خبيث السيرة مسامحة أهل الاستئثار والاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وتضرية لهم على التمادي على ذلك الخلق المذموم وتغبيط لهم به وعون لهم على ذلك الفعل السوء وإنما تكون المسامحة مروءة لأهل الإنصاف المبادرين إلى الإنصاف والإيثار فهؤلاء فرض على أهل الفضل أن يعاملوهم بمثل ذلك لا سيما إن كانت حاجتهم أمس وضرورتهم أشد فإن قال قائل فإذا كان كلامك هذا موجبا لإسقاط المسامحة والتغافل للإخوان فيه استوى الصديق والعدو والأجبني في المعاملة فهذا فساد ظاهر فنقول وبالله التوفيق كلاما لا يحض إلا على المسامحة والتغافل والإيثار ليس لأهل التغنم لكن للصديق حقا فإن أردت معرفة وجه العمل في هذا والوقوف على نهج الحق فإن القصة التي توجب الأثرة من المرء على نفسه صديقه ينبغي لكل واحد من الصديقين أن يتأمل ذلك الأمر فأيهما كان أمس حاجة فيه وأظهر ضرورة لديه فحكم الصداقة والمروءة تقتضي للآخر وتوجب عليه أن يؤثر على نفسه في ذلك فإن لم يفعل فهو متغنم مستكثر لا ينبغي أن يسامح ألبتة إذ ليس صديقا ولا أخا فأما إذا استوت حاجتهما واتفقت ضرورتهما فحق الصداقة ها هنا أن يسارع كل واحد منهما إلى الأثرة على نفسه فإن فعلا ذلك فهما صديقان وإن بدر أحدهما إلى ذلك ولم يبادر الآخر إليه فإن كانت عادته هذه فليس صديقا ولا ينبغي أن يعامل معاملة الصداقة وإن كان قد يبادر هو أيضا إلى مثل ذلك في قصة أخرى فهما صديقان من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها أو أردت ابتداءه بقضائها فلا تعمل له إلا ما يريد هو لا ما تريد أنت وإلا فأمسك فإن تعديت هذا كنت مسيئا لا محسنا ومستحقا للوم منه ومن غيره لا للشكر ومقتضيا للعداوة لا للصداقة
====================
لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته فهذا فعل الأرذال ولا تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل أهل الشر
=====================

لا يسرك أن تمدح بما ليس فيك بل ليعظم غمك بذلك لأنه نقصك ينبه الناس عليه ويسمعهم إياه وسخرية منك وهزؤ بك ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك بل افرح به فإنه فضلك ينبه الناس عليه ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح وسواء مدحت به أو لم تمدح واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم وسواء ذممت به أو لم تذم
=====================
من سمع قائلا يقول في امرأة صديقه قول سوء فلا يخبره بذلك أصلا لا سيما إذا كان القائل عيابة وقاعا في الناس سليط اللسان أو دافع معرة عن نفسه يريد أن يكثر أمثاله في الناس وهذا كثير موجود وبالجملة فلا يحدث الإنسان إلا بالحق وقول هذا القائل لا يدرى أحق هو أم باطل إلا أنه في الديانة عظيم فإن سمع القول مستفيضا من جماعة وعلم أن أصل ذلك القول شائع وليس راجعا إلى قول إنسان واحد أو اطلع على حقيقته إلا أنه لا يقدر أن يوقف صديقه على ما وقف هو عليه فليخبره بذلك بينه وبينه في رفق وليقل له النساء كثير أو حصن منزلك وثقف أهلك أو اجتنب أمرا كذا وتحفظ من وجه كذا فإن قبل المنصوح وتحرز فحظ نفسه أصاب وإن رآه لا يتحفظ ولا يبالي أمسك ولم يعاوده بكلمة وتمادى على صداقته إياه فليس في أن لا يصدقه في قوله ما يوجب قطيعته فإن اطلع على حقيقة وقدر أن يوقف صديقه على مثل ما وقف عليه هو من الحقيقة ففرض عليه أن يخبره بذلك وأن يوقفه على الجلية فإن غير فذلك وإن رآه لا يغير اجتنب صحبته فإنه رذل لا خير فيه ولا نقية ودخول رجل متستر في منزل المرء دليل سوء لا يحتاج إلى غيره ودخول المرأة في منزل رجل على سبيل التستر مثل ذلك أيضا وطلب دليل أكثر من هذين سخف وواجب أن يجتنب مثل هذه المرأة وفراقها على كل حال وممسكها لا يبعد عن الدياثة
============================
الناس في أخلاقهم على سبع مراتب:
فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب وهذه صفة أهل النفاق من العيابين وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم
وطائفة تذم في المشهد والمغيب وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين
وطائفة تمدح في الوجه والمغيب وهذه صفة أهل الملق والطمع
وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب وهذه صفة أهل السخف والنواكة
وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح الذم في المشاهدة ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم
وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة فيمسكون في المشهد ويذمون في المغيب
وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلون
=====================
إذا نصحت في الخلاء وبكلام لين ولا تسند سب من تحدثه إلى غيرك فتكون نماما فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير وقد قال الله تعالى ) فقولا له قولا لينا ( وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم**( لا تنفروا ) وإن نصحت بشرط القبول منك فأنت ظالم ولعلك مخطئ في وجه نصحك فتكون مطالبا بقبول خطئك وبترك الصواب لكل شيء فائدة ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة وهي أنه توقد طبعي واحتدم خاطري وحمي فكري وتهيج نشاطي فكان ذلك سببا إلى تواليف لي عظيمة المنفعة ولولا استثارتهم ساكني واقتداحهم كامني ما انبعثت لتلك التواليف
===========================
لا تصاهر إلى صديق ولا تبايعه فما رأينا هذين العملين إلا سببا للقطيعة وإن ظن أهل الجهل أن فيهما تأكيدا للصلة فليس كذلك لأن هذين العقدين داعيان كل واحد إلى طلب حظ نفسه والمؤثرون على أنفسهم قليل جدا فإذا اجتمع طلب كل امرئ حظ نفسه
وقعت المنازعة ومع وقوعها فساد المروءة وأسلم المصاهرة مغبة مصاهرة الأهلين بعضهم بعضا لأن القرابة تقتضي العدل وإن كرهوه لأنهم مضمرون إلى ما لا انفكاك لهم منه من الاجتماع في النسب الذي توجب الطبيعة لكل أحد الذب عنه والحماية له

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 12:01 PM   #8
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

المحبة وأنواعها
لمحبة كلها جنس واحد ورسمها أنها الرغبة في المحبوب وكراهة منافرته والرغبة في المقارضة منه بالمحبة وإنما قدر الناس أنها تختلف من أجل اختلاف الأغراض فيها وإنما اختلفت الأغراض من أجل اختلاف الأطماع وتزايدها وضعفها أو انحسامها فتكون المحبة لله عز وجل وفيه وللاتفاق على بعض المطالب وللأب والابن والقرابة والصديق وللسلطان ولذات الفراش وللمحسن وللمأمول وللمعشوق فهذا كله جنس واحد اختلفت أنواعه كما وصفت لك على قدر الطمع فيما ينال من المحبوب فلذلك اختلفت وجوه المحبة وقد رأينا من مات أسفا على ولده كما يموت العاشق أسفا على معشوقه وبلغنا عمن شهق من خوف الله تعالى ومحبته فمات ونجد المرء يغار على سلطانه وعلى صديقه كما يغار على ذات فراشه وكما يغار العاشق على معشوقه فأدنى أطماع المحبة ممن تحب الحظوة منه والرفعة لديه والزلفة عنده إذا لم تطمع في أكثر وهذه غاية أطماع المحبين لله عز وجل ثم يزيد الطمع في المجالسة ثم في المحادثة والموازرة وهذه أطماع المرء في سلطانه وصديقه وذوي رحمه وأقصى أطماع المحب ممن يحب المخالطة بالأعضاء إذا رجا ذلك ولذلك تجد المحب المفرط المحبة في ذات فراشه يرغب في جماعها على هيئات شتى وفي أماكن مختلفة ليستكثر من الاتصال ويدخل في هذا الباب الملامسة بالجسد والتقبيل وقد يقع بعض هذا الطمع في الأب في ولده فيتعدى إلى التقبيل والتعنيق وكل ما ذكرنا إنما هو على قدر الطمع فإذا انحسم الطمع عن شيء ما لبعض الأسباب الموجبة له مالت النفس إلى ما تطمع فيه ونجد المقر بالرؤية لله عز وجل شديد الحنين إليها عظيم النزوع نحوها لا يقنع بدرجة دونها لأنه يطمع فيها وتجد المنكر لها لا تحن نفسه إلى ذلك ولا يتمناه أصلا لأنه لا يطمع فيه وتجده يقتصر على الرضا والحلول في دار الكرامة فقط لأنه لا تطمع نفسه في أكثر ونجد المستحل لنكاح القرائب لا يقنع منهن بما يقنع المحرم لذلك ولا تقف محبته حيث تقف محبة من لا يطمع في ذلك فتجد من يستحل نكاح ابنته وابنة أخيه كالمجوس واليهود لا يقف من محبتهما حيث تقف محبة المسلم بل نجدهما يتعشقان الابنة وابنة الأخ كتعشق المسلم فيمن يطمع في مخالطته بالجماع ولا نجد مسلما يبلغ ذلك فيهما ولو أنهما أجمل من الشمس وكان هو أعهر الناس وأغزلهم فإن وجد ذلك في الندرة فلا تجده إلا من فاسد الدين قد زال عنه ذلك الرادع فانفسح له الأمل وانفتح له باب الطمع ولا يؤمن من المسلم أن تفرط محبته لابنة عمه حتى تصير عشقا وحتى تتجاوز محبته لها محبته لابنته وابنة أخيه وإن كانتا أجمل منها لأنه يطمع من الوصول إلى ابنة عمه حيث لا يطمع من الوصول إلى ابنته وابنة أخيه ونجد النصراني قد أمن ذلك من نفسه في ابنة عمه أيضا لأنه لا يطمع منها في ذلك ولا يأمن ذلك من نفسه في أخته من الرضاعة لأنه طامع بها في شريعته فلاح بهذا عيانا ما ذكرنا من أن المحبة كلها جنس واحد لكنها تختلف أنواعها على قدر اختلاف الأغراض فيها وإلا فطبائع البشر كلهم واحدة إلا أن للعادة والاعتقاد الديني تأثيرا ظاهرا ولسنا نقول إن الطمع له تأثير في هذا الفن وحده لكنا نقول إن الطمع سبب إلى كل هم حتى في الأموال والأحوال فإننا نجد الإنسان يموت جاره وخاله وصديقه وابن عمته وعمه لأم وابن أخيه لأم وجده أبو أمه وابن بنته فإذ لا مطمع له في ماله ارتفع عنه الهم لفوته عن يده وإن جل خطره وعظم مقداره فلا سبيل إلى أن يمر الاهتمام لشيء منه بباله حتى إذا مات له عصبة على بعد أو مولى على بعد وحدث له الطمع في ماله حدث له من الهم والأسف والغيظ والفكرة بفوت اليسير منه عن يده أمر عظيم وهكذا في الأحوال فنجد الإنسان من أهل الطبقة المتأخرة لا يهتم لإنفاذ غيره أمور بلده دون أمره ولا لتقريب غيره وإبعاده حتى إذا حدث له مطمع في هذه المرتبة حدث له من الهم والفكرة والغيظ أمر ربما قاده إلى تلف نفسه وتلف دنياه وأخراه فالطمع إذا أصل لكل ذل ولكل هم وهو خلق سوء ذميم وضده نزاهة النفس وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم لأنه رأى قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها وكانت فيه نجده أنتجت له عزة نفسه فتنزه وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته وكانت فيه طبيعة عدل حببت إليه القناعة وقلة الطمع فإذن نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الصفات الأربع وهي الجبن والشح والجور والجهل والرغبة طمع مستوفي متزايد مستعمل ولولا الطمع ما ذل أحد لأحد وأخبرني أبو بكر بن أبي الفياض قال كتب عثمان بن محامس على باب داره بأستجة ( يا عثمان لا تطمع )
=========================

من امتحن بقرب من يكره كمن امتحن ببعد من يحب ولا فرق إذا دعا المحب في السلو فإجابته مضمونة ودعوته مجابة
===========================
قنع بمن عندك يقنع بك من عندك
===========================
السعيد في المحبة هو من ابتلي بمن يقدر أن يلقي عليه قفله ولا تلحقه في مواصلته تبعة من الله عز وجل ولا ملامة من الناس وصلاح ذاك أن يتوافقا في المحبة وتحريره أن يكونا خاليين من الملل فإنه خلق سوء مبغض وتمامه نوم الأيام عنهما مدة انتفاع بعضهما ببعض وأنى بذلك إلا في الجنة وأما ضمانه بيقين فليس إلا فيها فهي دار القرار وإلا فلو حصل ذلك كله في الدنيا لم تؤمن الفجائع ولقطع العمر دون استيفاء اللذة
==========================
إذا ارتفعت الغيرة فأيقن بارتفاع المحبة
==============================
الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره وأن يتعدى غيره إلى حرمته ومن كانت النجدة طبعا له حدثت فيه عزة ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام أخبرني بعض من صحبناه في الدهر عن نفسه أنه ما عرف الغيرة قط حتى ابتلي بالمحبة فغار وكان هذا المخبر فاسد الطبع خبيث التركيب إلا أنه كان من أهل الفهم والجود
============================
درج المحبة خمسة
أولها الاستحسان وهو أن يتمثل الناظر صورة المنظور إليه حسنة أو يستحسن أخلاقه وهذا يدخل في باب التصادق
ثم الإعجاب به وهو رغبة الناظر في المنظور إليه وفي قربه
ثم الألفة وهي الوحشة إليه إذا غاب
ثم الكلف وهو غلبة شغل البال به وهذا النوع يسمى باب الغزل بالعشق
ثم الشغف وهو امتناع النوم والأكل والشرب إلا اليسير من ذلك وربما أدى ذلك إلى المرض أو إلى التوسوس أو إلى الموت وليس وراء هذا منزلة في تناهي المحبة أصلا
===============================
كنا نظن أن العشق في ذوات الحركة والحدة من النساء أكثر فوجدنا الأمر بخلاف ذلك وهو في الساكنة الحركات أكثر ما لم يكن ذلك السكون بلها

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 12:03 PM   #9
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الأخلاق والعادات
التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف وفي أنه لا معنى له ومن حال لا معنى لها إلى حال لا معنى لها بلا سبب يوجب ذلك وأما من استعمل من الزي ما أمكنه مما به إليه حاجة وترك التزيد مما لا يحتاج إليه فهذا عين من عيون العقل والحكمة كبير وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم**وهو القدوة في كل خير والذي أثنى الله تعالى على خلقه والذي جمع الله تعالى فيه أشتات الفضائل بتمامها وأبعده عن كل نقص يعود المريض مع أصحابه راجلا في أقصى المدينة بلا خف ولا نعل ولا قلنسوة ولا عمامة ويلبس الشعر إذا حضره وقد يلبس الوشي من الحبرات إذا حضره ولا يتكلف ما لا يحتاج إليه ولا يترك ما يحتاج إليه ويستغني بما وجدة عما لا يجد ومرة يمشي راجلا حافيا ومرة يلبس الخف ويركب البغلة الرائعة الشهباء ومرة يركب الفرس عريا ومرة يركب الناقة ومرة يركب حمارا ويردف عليه بعض أصحابه ومرة يأكل التمر دون خبز والخبز يابسا ومرة يأكل العناق المشوية والبطيخ بالرطب والحلواء يأخذ القوت ويبذل الفضل ويترك ما لا يحتاج إليه ولا يتكلف فوق مقدار الحاجة ولا يغضب لنفسه ولا يدع الغضب لربه عز وجل
================================
حد العقل استعمال الطاعات والفضائل وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل قال الله تعالى حاكيا عن قوم ) وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ( ثم قال تعالى مصدقا لهم ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير (
=================================
وحد الحمق استعمال المعاصي والرذائل وأما التعدي وقذف الحجارة والتخليط في القول فإنما هو جنون ومرار هائج وأما الحمق فهو ضد العقل وهما ما بينا آنفا ولا واسطة بين العقل والحمق إلا السخف
=============================
وحد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عونا عليهما ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية ولكنه من هذر القول وفضول العمل فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التقلل منهما يستحق المرء اسم السخف وقد يسخف المرء في قصة ويعقل في أخرى ويحمق في ثالثة
==========================
ضد الجنون تمييز الأشياء ووجود القوة على التصرف في المعارف والصناعات وهذا الذي يسميه الأوائل النطق ولا واسطة بينهما وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلى الناس بما وافقهم وصلحت عليه حال المتودد من باطل أو غيره أو عيب أو ما عداه والتحيل في إنماء المال وبعد الصوت وتسبيب الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة فليس عقلا ولقد كان الذين صدقهم الله في أنهم لا يعقلون وأخبرنا بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم العقل والسلامة وما إذا كان السعي فيما ذكرنا بما فيه تصاون وأنفة فهو يسمى الحزم وضده المنافي له التضييع وأما الوقار ووضع الكلام موضعه والتوسط في تدبير المعيشة ومسايرة الناس بالمسالمة فهذه الأخلاق تسمى الرزانة وهي ضد السخف
=============================
الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة لأن الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به أو من أحسن إليه فعدل في ذلك ورأي أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ فجاد في ذلك ورأى أن يتجلد لما يتوقع من عاقبة الوفاء فشجع في ذلك أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة وهي العدل والفهم والنجدة والجود
==============================
أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي أضداد الذي ذكرنا وهي الجور والجهل والجبن والشح الأمانة والعفة نوعان من أنواع العدل والجود النزاهة في النفس فضيلة تركبت من النجدة والجود وكذلك الصبر الحلم نوع مفرد من أنواع النجدة القناعة فضيلة مركبة من الجود والعدل الحرص متولد عن الطمع والطمع متولد عن الحسد والحسد متولد عن الرغبة والرغبة متولدة عن الجور والشح والجهل ويتولد من الحرص رذائل عظيمة منها الذل والسرقة والغصب والزنا والقتل والعشق والهم بالفقر والمسألة لما بأيدي الناس تتولد فيما بين الحرص والطمع وإنما فرقنا بين الحرص والطمع لأن الحرص هو بإظهار ما استكن في النفس من الطمع والمداراة فضيلة متركبة من الحلم والصبر الصدق مركب من العدل والنجدة من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذبا عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله
==========================
لا شيء أقبح من الكذب وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعا من أنواعه فكل كفر كذب فالكذب جنس والكفر نوع تحته والكذب متولد من الجور والجبن والجهل لأن الجبن يولد مهانة النفس والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة
============================
أيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساما ثلاثة أحدهما من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس والثاني أن يتكلم ناصرا لما وقع في نفسه أنه حق ودافعا لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجا فيما التزم وهذا كثير وهو دون الأول والثالث واضع الكلام في موضعه وهذا أعز من الكبريت الأحمر
=============================
لقد طال هم من غاظه الحق
=============================
اثنان عظمت راحتهما أحدهما في غاية المدح والآخر في غاية الذم وهما مطرح الدنيا ومطرح الحياء
=========================
لو لم يكن من التزهيد في الدنيا إلا أن كل إنسان في العالم فإنه كل ليلة إذا نام نسي كل ما يشفق عليه في يقظته وكل ما يشفق منه وكل ما يشره إليه فتجده في تلك الحال لا يذكر ولدا ولا أهلا ولا جاها ولا خمولا ولا ولاية ولا عزلة ولا فقرا ولا غنى ولا مصيبة وكفي بهذا واعظا لمن عقل من عجيب تدبير الله عز وجل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له وتأمل ذلك في الماء فما فوقه وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له وتأمل في الياقوت الأحمر فما دونه الناس فيما يعانونه كالماشي في الفلاة كلما قطع أرضا بدت له أرضون وكلما قضى المرء سببا حدثت له أسباب
=============================
صدق من قال إن العاقل معذب في الدنيا وصدق من قال إنه فيها مستريح فأما تعذيبه ففيما يرى من انتشار الباطل وغلبة دولته وبما يحال بينه وبينه من إظهار الحق وأما راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا
===========================
إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا وفي أخراك وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة ربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلا
=======================
إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب الله 0 عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق فأغضب الناس ونافرهم ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق
=====================
لاتساء بالنبي {صلى الله عليه وسلم**في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب فمن وعظ بالجفاء والا كفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته {صلى الله عليه وسلم**وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا وحردا ومغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسئيا لا محسنا ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فبذلك أبلغ وأنجع في الموعظة فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين وكان {صلى الله عليه وسلم**لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق وامر بالتيسير ونهى عن التنفير وكان يتخول بالموعظة خوف الملل وقال تعالى ) ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ( وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة ومما ينجع في الوعظ أيضا الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير وما أعلم لحب المدح فضلا إلا هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف
==================
تأملت كل ما دون السماء وطالت فيه فكرتي فوجدت كل شيء فيه من حي وغير حي من طبعه ان قوي ان يخلع عن غيره من الانواع كيفياته ويلبسه صفاته فترى الفاضل يود لو كان الناس فضلاء وترى الناقص يود لو كان الناس نقصاء وترى كل من ذكر شيئا يحض عليه يقول وأنا أفعل أمرا كذا وكل ذي مذهب يود لو كان الناس موافقين له وترى ذلك في العناصر إذا قوي بعضها على بعض أحاله إلى نوعيته وترى ذلك في تركيب الشجر وفي تغذي النبات والشجر بالماء ورطوبة الأرض وإحالتهما ذلك إلى نوعيتها فسبحان مخترع ذلك ومدبره لا إله إلا هو من عجيب قدرة الله تعالى كثرة الخلق ثم لا ترى أحدا يشبه آخر شبها لا يكون بينهما فيه فرق وقد سألت من طال عمره وبلغ الثمانين عاما هل رأى الصور في ما خلا مشبهة لهذه شبها واحدا فقال لي لا بل لكل صورة فرقها وهكذا كل ما في العالم يعرف ذلك من تدبر الآلات وجميع الأجسام المركبات وطال تكرر بصره عليها فإنه حينئذ يميز ما بينها ويعرف بعضها من بعض بفروق فيها تعرفها النفس ولا يقدر أحد يعبر عنها بلسانه فسبحان العزيز الحكيم الذي لا تتناهى مقدوراته
========================
من عجائب الدنيا قوم غلبت عليهم آمال فاسدة لا يحصلون منها إلا على إتعاب النفس عاجلا ثم الهم والاثم آجلا كمن يتمنى غلاء الأقوات التي في غلائها هلاك الناس وكمن يتمنى بعض الأمور التي فيها الضرر لغيره وإن كانت له فيها منفعة فإن تأميله ما يؤمل من ذلك لا يجعل له ذلك قبل وقته ولا يأتيه من ذلك بما ليس في علم الله تعالى تكونه فلو تمنى الخير والرخاء لتعجل الأجر والراحة والفضيلة ولم يتعب نفسه طرفة عين فما فوقها فاعجبوا لفساد هذه الأخلاق بلا منفعة

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 12:10 PM   #10
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

دواء الأخلاق الفاسدة ومداواتها
من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه أتم الناس نقصا وأعظمهم عيوبا وأضعفهم تمييزا وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال وهذا أشد عيب في الأرض وفي الناس كثير يفخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي واعلم يقينا أن لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة
================
. وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلا والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب أو على سبيل تبكيت المعجب فقط في وجهه لا خلف ظهره ثم يقول للمعجب ارجع إلى نفسك فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك
=======================
ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوبا منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلدا لأهل الشر وقد ذم تقليد أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو خير منك فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( فتولد على نفسك أن تكون أهلا للاستخفاف بك بل على الحقيقة مع مقت الله عز وجل وطمس ما فيك من فضيلة فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ وإن عجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صوابا فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم
======================
وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من العجب تنقصا لنفسك
========================
وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت ولقد أخبرني عبدالملك بن طريف وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه إخلالا شديدا لم يعاوده ذلك الذكاء بعد وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له فما عاودته إلا بعد أعوام واعلم أن كثيرا من أهل الحرص على العلم يجدون القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظا فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه فصح أنه موهبة من الله تعالى فأي مكان للعجب ها هنا ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها ثم تفكر أيضا في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم ثم من أصناف علمك الذي تختص به فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم من ذلك فاجعل مكان العجب استنقاصا لنفسك واستقصارا لها فهو أولى وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيرا فلتهن نفسك عندك حينئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل بما علمت منه فلعلمك عليك حجة حينئذ ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالما واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالا وأعذر فليسقط عجبك بالكلية ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة فتهون نفسك عليك
=====================
وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيم صرفتها فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمنا لها وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدتها بعجبك ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخوخة وأنك إن عشت فستصير من عدد العيال وكالصبي ضعفا على أني ما رأيت العجب في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها
===================
وإن أعجبت بجاهك في دنياك فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه ولعلهم ممن يستحيا من التشبه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم فاستهن بكل منزلة شاركك فيها من ذكرت لك وإن كنت مالك الأرض كلها ولا مخالف عليكم وهذا بعيد جدا في الإمكان فما نعلم أحدا ملك معمور الأرض كله على قلته وضيق ساحته بالإضافة إلى غامرها فكيف إذا أضيف إلى الفلك المحيط فتفكر فيما قال ابن السماك للرشيد وقد دعا بحضرته بقدح فيه ماء ليشربه فقال له يا أمير المؤمنين فلو منعت هذه الشربة بكم كنت ترضى أن تبتاعها فقال له الرشيد بملكي كله قال يا أمير المؤمنين فلو منعت خروجها منك بكم كنت ترضى أن تفتدي من ذلك قال بملكي كله قال يا أمير المؤمنين أتغتبط بملك لا يساوي بولة ولا شربة ماء وصدق ابن السماك رحمه الله وإن كنت ملك المسلمين كلهم فاعلم أن ملك السود وهو رجل أسود رذل مكشوف العورة جاهل يملك أوسع من ملكك فإن قلت أنا أخذته بحق فلعمري ما أخذته بحق إذا استعملت فيه رذيلة العجب وإذا لم تعدل فيه فاستحي من حالك فهي حالة رذالة لا حالة يجب العجب فيها
=====================

وإن عجبت بمالك فهذه أسوأ مراتب العجب فانظر في كل ساقط خسيس هو أغنى منك فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت واعلم أن عجبك بالمال حمق لأنه أحجار لا تنتفع بها إلا أن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط والمال أيضا غاد ورائح وربما زال عنك ورأيته بعينه في يد غيرك ولعل ذلك يكون في يد عدوك فالعجب بمثل هذا سخف والثقة به غرور وضعف
========================

وإن أعجبت بحسنك ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن وفيما ذكرنا كفاية
=======================
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك ففكر في ذم أعدائك إياك فحينئذ ينجلي عنك العجب فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيك ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له فليست إلا منزلة من ليس الله تعالى عنده نعمة يحسد عليها عافانا الله
===================
فإن استحقرت عيوبك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل إطلاعهم عليها فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مسكة من تمييز
========================
واعلم بأنك إن تعلمت كيفية تركيب الطبائع وتولد الأخلاق من امتزاج عناصرها المحمولة في النفس فستقف من ذلك وقوف يقين على أن فضائلك لا خصلة لك فيها وأنها منح من الله تعالى لو منحها غيرك لكان مثلك وأنك لو وكلت إلى نفسك لعجزت وهلكت فاجعل بدل عجبك بها شكرا لواهبك إياها وإشفاقا من زوالها فقد تتغير الأخلاق الحميدة بالمرض وبالفقر وبالخوف وبالغضب وبالهرم وارحم من منع ما منحت ولا تتعرض لزوال ما بك من النعم بالتعاصي على واهبها تعالى وبأن تجعل لنفسك فيما وهبك خصلة أو حقا فتقدر أنك استغنيت عن عصمته فتهلك عاجلا أو آجلا ولقد أصابتني علة شديدة ولدت علي ربوا في الطحال شديدا فولد ذلك علي من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنزق أمرا حاسبت نفسي فيه إذ أنكرت تبدل خلقي واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي وصح عندي أن الطحال موضع الفرح إذا فسد تولد ضده .
========================
وإن أعجبت بنسبك فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلا في دنيا ولا آخرة وانظر هل يدفع عنك جوعة أو يستر لك عورة أو ينفعك في آخرتك ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك وربما فيما هو أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام ثم ولادة الخلفاء ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء ثم ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الإسلام فتأمل غبراتهم وبقاياهم ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة وتلفهم في غاية السقوط والرذالة والتبدل والتحلي بالصفات المذمومة فلا تغتبط بمنزلة هم فيها نظراؤك أو فوقك ثم لعل الآباء الذين تفخر بهم كانوا فساقا وشربة خمور ولاطة ومتعبثين ونوكى أطلقت الأيام أيديهم بالظلم والجور فأنتجوا ظلما وآثارا قبيحة تبقي عارهم بذلك الأيام ويعظم إثمهم والندم عليها يوم الحساب فإن كان كذلك فاعلم أن الذي أعجبت به من ذلك داخل في العيب والخزي والعار والشنار لا في الإعجاب فإن أعجبت بولادة الفضلاء إياك فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلا وما أقل غناهم عنك في الدنيا والآخرة إن لم تكن محسنا والناس كلهم أولاد آدم الذي خلقه الله بيده وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته ولكن ما أقل نفعه لهم وفيه كل معيب وكل فاسق وكل كافر وإذا فكر العاقل في أن فضل آبائه لا يقر به من ربه تعالى ولا يكسبه وجاهة لم يحزها هو بسعده أو بفضله في نفسه ولا مالا فأي معنى للإعجاب بما لا منفعة فيه وهل المعجب بذلك إلا كالمعجب بمال جاره وبجاه غيره وبفرس لغيره سبق كان على رأسه لجامه وكما تقول العامة في أمثالها كالغبي يزهى بذكاء أبيه فإن تعدى بك العجب إلى الامتداح فقد تضاعف سقوطك لأنه قد عجز عقلك من مقاومة ما فيك من العجب هذا إن امتدحت بحق فيكف إن امتحدت بالكذب وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب عم النبي {صلى الله عليه وسلم**أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى وممن الشرف كله في اتباعهم فما انتفعوا بذلك وقد كان فيمن ولد لغير رشدة من كان الغاية في رياسة الدنيا كزياد وأبي مسلم ومن كان نهاية في الفضل على الحقيقة كبعض من نجله عن ذكره في مثل هذا الفصل ممن يتقرب إلى الله تعالى بحبه والاقتداء بحميد آثاره
======================
وإن أعجبت بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال وإن أعجبت بخفتك فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب فمن العجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق واعلم أن من قدر في نفسه عجبا أو ظن لها على سائر الناس فضلا فلينظر إلى صبره عندما يدهمه من هم أو نكبة أو وجع أو دمل أو مصيبة فإن رأى نفسه قليلة الصبر فليعلم أن جميع أهل البلاء من المجذومين وغيرهم الصابرين أفضل منه على تأخر طبقتهم في التمييز وإن رأى نفسه صابرة فليعلم أنه لم يأت بشيء يسبق فيه على ما ذكرنا بل هو إما متأخر عنهم في ذلك أو مساو لهم ولا مزيد ثم لينظر إلى سيرته وعدله أو جوره فيما خوله الله من نعمة أو مال أو خول أو أتباع أو صحة أو جاه فإن وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبة تعالى ووجدها خائفة في العدل فليعلم أن أهل العدل والشكر والسيرة الحسنة من المخولين أكثر مما هو فيه أفضل منه فإن رأى نفسه ملتزمة للعدل فالعادل بعيد عن العجب ألبتة لعلمه بموازين الأشياء ومقادير الأخلاق والتزامه التوسط الذي هو الاعتدال بين الطرفين المذمومين فإن أعجب فلم يعدل بل قد مال إلى جنبه الافراط المذمومة
====================
واعلم أن التعسف وسوء الملكة لمن خولك الله تعالى أمره من رقيق أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة وأما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس والخلق وعجز ومهانة ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ أو بقتل برغوث أو بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة
======================
واعلم أن رياضة الأنفس أصعب من رياضة الأسد لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك أمن شرها والنفس وإن سجنت لم يؤمن شرها
=======================
العجب أصل يتفرع عنه التيه والزهو والكبر والنخوة والتعالي وهذه أسماء واقعة على معان متقاربة ولذلك صعب الفرق بينها على أكثر الناس فقد يكون العجب لفضيلة في المعجب ظاهرة فمن معجب بعلمه فيكفهر ويتعالى على الناس ومن معجب بعمله فيترفع ومن معجب برأيه فيزهو على غيره ومن معجب بنسبه فيتيه ومن معجب بجاهه وعلو حاله فيتكبر ويتنخى وأقل مراتب العجب أن تراه يتوفر عن الضحك في مواضع الضحك وعن خفة الحركات وعن الكلام إلا فيما لا بد له من أمور دنياه وعيب هذا أقل من عيب غيره ولو فعل هذه الأفاعيل على سبيل الاقتصار على الواجبات وترك الفضول لكان ذلك فضلا وموجبا لحمده ولكن إنما يفعل ذلك احتقارا للناس وإعجابا بنفسه فحصل له بذلك استحقاق الذم وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى حتى إذا زاد الأمر ولم يكن هناك تمييز يحجب عن توفية العجب حقه ولا عقل جيد حدث من ذلك ظهور الاستخفاف بالناس واحتقارهم بالكلام وفي المعاملة حتى إذا زاد ذلك وضعف التمييز والعقل وترقى ذلك إلى الاستطالة على الناس بالأذى بالأيدي والتحكم والظلم والطغيان واقتضاء الطاعة لنفسه والخضوع لها إن أمكنه ذلك فإن لم يقدر على ذلك امتدح بلسانه واقتصر على ذم الناس والاستهزاء بهم وقد يكون العجب لغير معنى ولغير فضيلة في المعجب وهذا من عجيب ما يقع في هذا الباب وهو شيء يسميه عامتنا التمترك وكثيرا ما نراه في النساء وفيمن عقله قريب من عقولهن من الرجال وهو عجب من ليس فيه خصلة أصلا لا علم ولا شجاعة ولا علو حال ولا نسب رفيع ولا مال يطغيه وهو يعلم مع ذلك أنه صفر من ذلك كله لأن هذه الأمور لا يغلط فيها من يقذف بالحجارة وإنما يغلط فيها من له أدنى حظ منها فربما يتوهم إن كان ضعيف العقل أنه قد بلغ الغاية القصوى منها كمن له حظ من علم فهو يظن أنه عالم كامل أو كمن له نسب معرق في ظلمة ونجدهم لم يكونوا أيضا رفعاء في ظلمهم فتجده لو كان ابن فرعون ذي الأوتاد ما زاد على إعجابه الذي فيه أو له شيء من فروسية فهو يقدر أنه يهزم عليا ويأسر الزبير ويقتل خالدا أو له شيء من جاه رذل فهو لا يرى الإسكندر على حال أو يكون قويا على أن يكسب ما يتوفر بيده مويل يفضل عن قوته فلو أخذ بقرني الشمس لم يزد على ما هو فيه وليس يكثر العجب من هؤلاء وإن كانوا عجبا لكن ممن لا حظ له من علم أصلا ولا نسب البتة ولا مال ولا جاه ولا نجدة بل تراه في كفالة غيره مهتضما لكل من له أدنى طاقة وهو يعلم أنه خال من كل ذلك وأنه لا حظ له في شيء من ذلك ثم هو مع ذلك في حالة المزهو التياه ولقد تسببت إلى سؤال بعضهم في رفق ولين عن سبب علو نفسه واحتقاره الناس فما وجدت عنده مزيدا على أن قال لي أنا حر لست عبد أحد فقلت له أكثر من تراه يشاركك في هذه الفضيلة فهم أحرار مثلك لا قوما من العبيد هم أطول منك يدا وأمرهم نافذ عليك وعلى كثير من الأحرار فلم أجد عنده زيادة فرجعت إلى تفتيش أحوالهم ومراعاتها ففكرت في ذلك سنين لأعلم السبب الباعث لهم على هذا العجب الذي لا سبب له فلم أزل أختبر ما تنطوي عليه نفوسهم بما يبدو من أحوالهم ومن مراميهم في كلامهم فاستقر أمرهم على أنهم يقدرون أن عندهم فضل عقل وتميز رأي أصيل لو أمكنتهم الأيام من تصريفه لوجدوا فيه متسعا ولأداروا الممالك الرفيعة ولبان فضلهم على سائر الناس ولو ملكوا مالا لأحسنوا تصريفه فمن ها هنا تسرب التيه إليهم وسرى العجب فيهم وهذا مكان فيه للكلام شعب عجيب ومعارضة معترضة وهو أنه ليس شيء من الفضائل كلما كان المرء منه أعرى قوي ظنه في أنه قد استولى عليه واستمر يقينه في أنه قد كمل فيه إلا العقل والتمييز حتى إنك تجد المجنون المطبق والسكران الطافح يسخران بالصحيح والجاهل الناقص يهزأ بالحكماء وأفاضل العلماء والصبيان الصغار يتهكمون بالكهول والسفهاء العيارين يستخفون بالعقلاء المتصاونين وضعفة النساء يستنقص عقول أكابر الرجال وآراءهم وبالجملة فكلما نقص العقل توهم صاحبه أنه أوفر الناس عقلا وأكمل تمييزا ولا يعرض هذا في سائر الفضائل فإن العاري منها جملة يدري أنه عار منها وإنما يدخل الغلط على من له أدنى حظ منها وإن قل فإنه يتوهم حينئذ إن كان ضعيف التمييز أنه عالي الدرجة فيه ودواء من ذكرنا الفقر والخمول فلا دواء لهم أنجع منه وإلا فداؤهم وضررهم على الناس عظيم جدا فلا تجدهم إلا عيابين للناس وقاعين في الأعراض مستهزئين بالجميع مجانبين للحقائق مكبين على الفضول وربما كانوا مع ذلك متعرضين للمشاتمة والمهارشة وربما قصدوا الملاطمة والمضاربة عند أدنى سبب يعرض لهم
=======================
وقد يكون العجب كمينا في المرء حتى إذا حصل على أدنى مال أو جاه ظهر ذلك عليه وعجز عقله عن قمعه وستره ومن ظريف ما رأيت في بعض أهل الضعف أن منهم من يغلبه ما يضمر من محبة ولده الصغير وامرأته حتى يصفها بالعقل في المحافل وحتى إنه يقول هي أعقل مني وأنا أتبرك بوصيتها وأما مدحه إياها بالجمال والحسن والعافية فكثير في أهل الضعف جدا حتى كأنه لو كان خاطبها ما زاد على ما يقول في ترغيب السامع في وصفها ولا يكون هذا إلا في ضعيف العقل عار من العجب بنفسه
======================
إياك والامتداح فإن كل من يسمعك لا يصدقك وإن كنت صادقا بل يجعل ما سمع منك من ذلك أول معايبك وإياك ومدح أحد في وجهه فإنه فعل أهل الملق وضعة النفوس وإياك وذم أحد لا بحضرته ولا في مغيبه فلك في إصلاح نفسك شغل وإياك والتفاقر فإنك لا تحصل من ذلك إلا على تكذيبك أو احتقار من يسمعك ولا منفعة لك في ذلك أصلا إلا كفر نعمة ربك تعالى أو شكواه إلى من لا يرحمك
====================
. وإياك ووصف نفسك باليسار فإنك لا تزيد على إطماع السامع فما عندك ولا تزد على شكر الله تعالى وذكر فقرك إليه وغناك عن دونه فإن هذا يكسبك الجلالة والراحة من الطمع فيما عندك
========================
العاقل هو من لا يفارق ما أوجبه تمييزه من سبب للناس الطمع فيما عنده لم يحصل إلا على أن يبذله لهم ولا غاية لهذا أو يمنعهم فيلؤم ويعادونه فإذا أردت أن تعطي أحدا شيئا فليكن ذلك منك قبل أن يسألك فهو أكرم وأنزه وأوجب للحمد
==============================
من بديع ما يقع في الحسد قول الحاسد إذا سمع إنسانا يغرب في علم ما هذا شيء بارد لم يتقدم إليه ولا قاله قبله أحد فإن سمع من يبين ما قد قاله غيره قال هذا بارد وقد قيل قبله وهذه طائفة سوء قد نصبت أنفسها للقعود على طريق العلم يصدون الناس عنها ليكثر نظراؤهم من الجهال
===========================
الحكيم لا تنفعه حكمته عند الخبيث الطبع بل يظنه خبيثا مثله وقد شاهدت أقواما ذوي طبائع رديئة وقد تصور في أنفسهم الخبيثة أن الناس كلهم على مثل طبائعهم لا يصدقون أصلا بأن أحدا هو سالم من رذائلهم بوجه من الوجوه وهذا أسوء ما يكون من فساد الطبع
==========================
العدل حصن يلجأ إليه كل خائف وذلك أنك ترى الظالم وغير الظالم إذا رأى من يريد ظلمه دعا إلى العدل وأنكر الظلم حينئذ وذمه ولا ترى أحدا يذم العدل فمن كان العدل في طبعه فهو ساكن في ذلك الحصن الحصين
==============================
الاستهانة نوع من أنواع الخيانة إذ قد يخونك من لا يستهين بك ومن استهان بك فقد خانك الانصاف فكل مستهين خائن وليس كل خائن مستهينا الاستهانة بالمتاع دليل على الاستهانة برب المتاع حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما وهما المعاتبة والاعتذار فإنه يحسن فيهما تعديد الأيادي وذكر الإحسان وذلك غاية القبح في ما عدا هاتين الحالتين لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل
==========================
الخيانة في الحرم أشد من الخيانة في الدماء
==================
العرض أعز على الكريم من المال
=================
ينبغي للكريم أن يصون جسمه بماله ويصون نفسه بجسمه ويصون عرضه بنفسه ويصون دينه بعرضه ولا يصون بدينه شيئا
================
من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه فإن يلوح له وجه تعسفه
==================
حد الحزم معرفة الصديق من العدو وغاية الخرق والضعف جهل العدو من الصديق

لا تسلم عدوك لظلم ولا تظلمه وساو في ذلك بينه وبين الصديق وتحفظ منه وإياك وتقريبه وإعلاء قدره فإن هذا من فعل النوكى من ساوى بين عدوه وصديقه في التقريب والرفعة فلم يزد على أن زهد الناس في مودته وسهل عليهم عداوته ولم يزد على استخفاف عدوه له وتمكنه من مقاتله وإفساد صديقه على نفسه وإلحاقه بجملة أعدائه غاية الخير أن يسلم عدوك من ظلمك ومن تركك إياه للظلم وأما تقريبه فمن شيم النوكى الذين قد قرب منهم التلف وغاية الشر أن يسلم صديقك من ظلمك وأما إبعاده فمن فعل من لا عقل له ومن كتب عليه الشقاء ليس الحلم تقريب الأعداء ولكنه مسالمتهم مع التحفظ منهم
====================
كم رأينا من فاخر بما عنده من المتاع فكان ذلك سببا لهلاكه فإياك وهذا الباب الذي هو ضر محض لا منفعة فيه أصلا كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه ولم نر قط أحدا ولا بلغنا أنه أهلكه سكوته
==============
فلا تتكلم إلا بما يقربك من خالقك فإن خفت ظالما فاسكت
====================
محن الإنسان في دهره كثيرة وأعظمها محنته بأهل نوعه من الإنس داء الإنسان بالناس أعظم من دائه بالسباع الكلبة والأفاعي الضارية لأن التحفظ من كل ما ذكرنا ممكن ولا يمكن التحفظ من الإنس أصلا الغالب على الناس النفاق ومن العجب أنه لا يجوز مع ذلك عندهم إلا من نافقهم لو قال قائل إن في الطبائع كرية لأن أطراف الأضداد تلتقي لم يبعد من الصدق وقد نجد نتائج الأضداد تتساوي فنجد المرء يبكي من الفرح ومن الحزن ونجد فرط المودة يلتقي مع فرط البغضة في تتبع العثرات وقد يكون ذلك سببا للقطيعة عند عدم الصبر والإنصاف كل من غلبت عليه طبيعة ما فإنه وإن بالغ الغاية من الحزم والحذر مصروع إذا كويد من قبلها
=======================
كثرة الريب تعلم صاحبها الكذب لكثرة ضرورته إلى الاعتذار بالكذب فيضرى عليه ويستسهله
====================

أشد الناس استعظاما للعيوب بلسانه هو أشدهم استسهالا لها بفعله

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 02:04 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com