الصدقة واثرها على العبد
أن رجلاً من أهل بلدة باليمن تسمى الحمرة وتقع في غرب اليمن
قريبًا من ساحل البحر الأحمر، كان يعمل بالزراعة، ومشهورًا
بالصلاح والتقوى وكثرة الإنفاق على الفقراء وخاصة عابري
السبيل، وقد قام هذا الرجل ببناء مسجد، وجعل فيه كل ليلة
سراجًا يوقد لهداية المارة وطعام عشاء للمحتاجين، فإن وجد من
يتصدق عليه أعطاه الطعام وإلا أكله هو وقام يصلي لله عز وجل تنفلاً وتطوعًا، وهكذا دأبه وحاله.
وبعد فترة من الزمن وقع القحط والجفاف بأرض اليمن، وجفت
مياه الأنهار وحتى الآبار، وكان هذا الرجل يعمل في الزراعة، ولا
يستغني عن الماء لحياته وزراعته، وكانت له بئر قد غار ماؤها،
فأخذ يحتفرها هو وأولاده، وأثناء الحفر وكان الرجل في قعر
البئر انهارت جدران البئر عليه، وسقط ما حول البئر من الأرض
وانردم البئر كله على الرجل، فأيس منه أولاده، ولم يحاولوا
استخراجه من البئر وقالوا قد صار هذا قبره وبكوا عليه وصلوا واقتسموا ماله ظنًا منهم وفاته.
لم يعلم الأولاد ما جرى لأبيهم في قاع البئر المنهار، ذلك أن ا
الرجل الصالح عندما انهدم البئر كان قد وصل إلى كهف في قاع
البئر، فلما انهارت جدران البئر سقطت منه خشبة كبيرة منعت
باقي الهدم من الحجارة وغيرها أن تصيب الرجل، وبقي الرجل
في ظلمة الكهف ووحشته لا يرى أصابعه من شدة الظلمة، وهنا
وقعت الكرامة وجاء الفرج بعد الشدة، وظهر دور الصدقة في
أحلك الظروف، إذ فوجئ الرجل الصالح بسراج يزهر فوق رأسه
عند مقدمة الكهف أضاء له ظلمات قبره الافتراضي، ثم وجد
طعامًا هو بعينه الذي كان يحمله للفقراء في كل ليلة، وكان هذا
الطعام يأتيه كل ليلة وبه يفرق ما بين الليل والنهار، ويقض وقته في الذكر والدعاء والمناجاة والصلاة.
ظل العبد الصالح حبيس قبره ورهين بئره ست سنوات، وهو
على حاله التي ذكرناها، ثم بدا لأولاده أن يعيدوا حفر البئر
وإعمارها من جديد، فحفروها حتى وصلوا إلى قعرها حيث باب
الكهف، وكم كانت المفاجأة مروعة والدهشة هائلة عندما وجدوا
أباهم حيًا في عافية وسلامة، فسألوه عن الخبر فأخبرهم وعرفهم
أن الصدقة التي كان يحملها كل ليلة بقيت تحمل له في كربته
وقبره كل ليلة حتى خرج من قبره بعد ست سنوات كاملة.