إذا أمكن المسلم إظهار دينه في بلاد الكفر وهو مقيم للعمل ولكن لا يوجد جامع ولا جالية هل يأثم بهذا؟
الحمد لله
أولا :
دلت الأدلة على تحريم المقام بين ظهراني المشركين ، ووجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن لم يستطع إظهار دينه، وقدر على الهجرة، قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/97 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) . رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وينظر جواب السؤال رقم (13363) .
ثانيا :
المقصود بإظهار الدين هو إعلان التوحيد ، والبراءة من الشرك ، وإقامة الشعائر دون خوف.
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : أَفتنا عن معنى حديث : (مَن سَاكَن الْمشرك وَجَامَعَه فهوَ مِثله). وحديث : (أَنا بَرِيءٌ مِن مَسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) .
فأجاب : "حديث : (مَن جَامَعَ الْمشرِك أَو سَكن مَعَه فهوَ مِثله) وحديث : (أَنا بَرِيءٌ مِن مسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) هذان الحديثان هما من الوعيد الشديد المفيد غلظ تحريم مساكنة المشركين ومجامعتهم، كما هما من أَدلة وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهذا في حق من لم يقدر على إظهار دينه. وأَما من قدر على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة، بل هي مستحبة في حقه. وقد لا تستحب إذا كان في بقائه بين أَظهرهم مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهاره دينه.
وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنا وغير ذلك. إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أَنواع الكفر والضلال " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/77).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : ما حكم من خاف من اعتداء الكفار والمشركين وجاملهم في بعض أفعالهم المنكرات؛ خوفًا منهم، وليس إقرارًا أو رضاء بما يفعلون ؟
فأجاب : "لا يجوز للمسلم أن يجامل الكفار على حساب دينه، أو أن يوافقهم في أفعالهم؛ لأن أفعالهم ربما تكون كفرًا وشركًا وكبائر من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمسلم أن يوافقهم على ذلك، أو أن يشاركهم في ذلك باختياره، بل الواجب عليه أن يُظهِرَ دينه .
ولا يجوز له الإقامة مع الكفار والبقاء في بلادهم إلا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ بأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله عز وجل، هذا هو إظهار الدين؛ فإذا كان لا يستطيع ذلك؛ وجب عليه أن يُهاجِر إلى بلاد المسلمين من بلاد الكفار، ولا يبقى فيها على حساب دينه وعقيدته " انتهى من "المنتقى" (1/254).
وإظهار الدين على هذا الوجه قد يتعذرعلى من يعيش بمفرده في هذه البلاد ، أو مع جماعة قليلة من المسلمين .
وعلى فرض تمكنك من إظهار دينك ، فإن البقاء بمعزل عن المسلمين ، له آثاره السيئة التي لا تخفى على النفس والأهل والذرية ، ومعلوم أنه توجد أجيال من المسلمين قد انسلخت عن دينها ولغتها وقيمها بسبب البقاء في هذه البلدان ، لا تسمع الأذان ، ولا تشهد الجماعة ، ولا ترى المؤمنين ، والكفر يحيط بها من كل جانب ، والمنكرات تغزوها من كل صوب .
فلهذا ننصحك بالفرار بدينك ، والمحافظة على نفسك ومن معك ، والانتقال إلى بلاد الإسلام ، أو إلى محل يكثر فيه تجمع المسلمين ، وتتمكن معهم من إقامة الجمعة والجماعة ، وإظهار الأذان ، وإعلان الشعائر .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ، وأن ييسر أمرك ، وأن يوفقك للخير والبر حيث كان .
والله أعلم .
http://islamqa.info/ar/ref/111564