أمهات قرب أبنائهن
الإهداء
إلى من يتطلع إلى جيل مسلم...إلى كل مرب و مربية...إلى كل أب وأم...أهدي هذه التجارب
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التربية الحسنة وصلاح الذرية أمنية كل أب وأم، وقد اعتنى بها الإسلام عناية خاصة وأصل لها أصولاً راسخة في المصدرين الأولين الكتاب والسنة، وكتب في نظرياتها الكتاب على اختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم، وهذه الصفحات عبارة عن تجارب تربوية ناجحة بإذن الله تعالى، مارسها بعض المربين وأحببت تسجيلها لعل فيها ضياء- يستنير به المتطلعون إلى صلاح الأبناء والبنات، أملا في أن يكونوا أعضاء نافعين لأنفسهم ودينهم وأمتهم الإسلامية.
ولقد حرصت في عرضها على بساطة الأسلوب والعرض القصصي الواقعي، فإن وفقت فمن الله تعالى وبتسديد منه وإن كان غير ذلك فمن نفسي ولا تتعدى أن تكون اجتهادا شخصيا أرجو ثوابها عند الله تعالى- وأسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها في ميزان حسنات كل من ساهم في إخراجها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(1)
التربية، مصدرها، ومتى تبدأ؟
كنوز القرآن والسنة أصول تربوية كبيرة الفائدة عظيمة الأثر، وحين يكون الحديث عن الطفولة فإن هذه المرحلة كالبذرة الصغيرة والنبتة الضعيفة إذا أردنا لها النمو والقوة والاشتداد فعلينا بمنبع الإسلام الصافي، لنربي أبناءنا على منهج كتاب الله ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنحرص على هذه التربية منذ نعومة أظفارهم، حيث مرحلة التنشئة، فالأطفال كالنبتة الصغيرة تحتاج إلى رعاية تامة من ماء وهواء وشمس حتى تكبر وتشتد والأطفال بحاجة إلى متابعة وتوجيه ما داموا في هذه المرحلة من العمر حتى إذا اشتد عودهم وصاروا كبارا كانوا على خير بإذن الله تعالى أما إذا نشأوا مهملين فيصعب عند الكبر توجيههم وإصلاحهم.
نجد في وقتنا الحاضر كثيرا من الأمهات يشتكين من أبنائهن بعدم أداء صلاة الفجر في جماعة بسبب عدم تعودهم عليها منذ الصغر، تحكي إحدى الأخوات أن طفلها منذ أن كان في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي كان لا يترك الصلاة مع الجماعة في كل وقت حتى صلاة الفجر فكان في ليالي الشتاء الباردة يلبس الملابس الثقيلة ويخرج مع أبيه إلى المسجد وفي إحدى الليالي قال أحد جماعة المسجد لوالده لا تخرج به في مثل هذا الوقت لبرودة الجو وعدم تحمل الطفل له، لكن الأب استمر على الذهاب بابنه إلى المسجد في كل الأوقات لأنه ليس هناك فرق بين ذهابه إلى المسجد وموعد المدرسة- أي بين صلاة الفجر وموعد الدراسة سوى ساعة واحدة تقريبا- فلماذا نهتم بأمر الدنيا أكثر من الاهتمام بأمر الله والدار الآخرة، واستمر هذا الابن على المحافظة على الصلاة في المسجد في كل وقت وقد بلغ قرابة العشرين من عمره وهو مثال في المحافظة على الصلاة جماعة في الفجر وغيره لأن من شب على شيء شاب عليه.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- يذكر عنه أنه يقول كنا نعيش في بغداد وكان والدي قد توفي وكنت أعيش مع أمي فإذا كان قبل الفجر أيقظتني وسخنت لي الماء ثم توضأت. وكان عمره آنذاك عشر سنين- يقول وجلسنا نصلي حتى يؤذن الفجر- هو وأمه رحمهما الله- وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد وتنتظره حتى تنتهي الصلاة لأن الأسواق حينئذ مظلمة وقد تكون فيها السباع والهوام ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلته أمه لطلب العلم ويقول أحد العلماء: إن لأم الإمام أحمد من الأجر مثل ما لابنها لأنها هي التي دلته على الخير.
يتبع