من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس  الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ...للشيخ العثيمين رحمه الله
   عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من  كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ،  ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان  العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا  إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه  بينهم إلا نزلت عليهم السّكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ،  وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه "
 رواه  مسلم بهذا اللفظ .  
 الشرح 
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في الأربعين النووية : الحديث السادس  والثلاثون ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :  " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفّس  الله عنه كربة من كرب يوم القيامة " والكرب يعني : الشدة والضيق  والضنك ، والتنفيس معناه : إزالة الكربة ورفعها ، وقوله :" من كرب الدنيا " يعم المالية والبدنية والأهلية  والفردية والجماعية ، " نفّس الله عنه " أي :  كشف الله عنه وأزال " كربة من كرب يوم القيامة "  ولا شك أن كرب يوم القيامة أعظم وأشد من كرب الدنيا ، فإذا نفّس عن المؤمن  كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، " ومن يسّر على معسر " أي سهل عليه وأزال عسرته ، "  يسر الله عليه في الدنيا والآخرة " وهنا سار الجزاء في الدنيا والآخرة ،  وفي الكرب كربة من كرب يوم القيامة ؛ لأن كرب يوم القيامة عظيمة جدّا . " ومن ستر مسلما " أي : ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو  خُلقيا أو دينيا أو دنيويا إذا ستره وغطاه حتى لا يتبين للناس . " ستره الله في الدنيا والآخرة " أي : حجب عيوبه عن  الناس في الدنيا والآخرة . 
ثم قال صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة مانعة ، قال :"  والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " أي : أن الله تعالى  يعين الإنسان على قدر معونته أخيه كمّا وكيفا وزمنا ، فما دام الإنسان في  عون أخيه فالله في عونه ، وفي حديث آخر :" من كان في  حاجة أخيه كان الله في حاجته " وقوله :" من سلك  طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " يعني : من  دخل طريقا وصار فيه يلتمس العلم ، والمراد به العلم الشرعي ، سهل الله له  به طريقا إلى الجنة ، لأن الإنسان إذا علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها ،  ومعلوم أن الطريق الموصل إلى الله هو شريعته ، فإذا تعلم الإنسان شريعة  الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، " وما اجتمع قوم  في بيت من بيوت الله " والمراد به المسجد ، فإن بيوت الله هي  المساجد ، قال الله تعالى : (( في بيوت أذن الله أن ترفع  ويذكر فيها اسمه )) [ النور : 36 ] ، وقال : ((  وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )) [ الجن : 18 ] ، وقال : (( ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ))  [ البقرة : 114 ] ، فأضاف المساجد إليه ؛ لأنها موضع ذكره ، قوله :" يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم "يتلونه : أي  يقرءونه ، ويتدارسونه : أي يدرس بعضهم على بعض ،" إلا  نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة " نزلت  عليهم السكينة يعني : في قلوبهم ، وهي الطمأنينة والإستقرار ، وغشيتهم  الرحمة : غطتهم وشملتهم ، وحفتهم الملائكة : صارت من حولهم ، " وذكرهم الله فيمن عنده " أي : من الملائكة ، " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " أي : من تأخر من  أجل عمله السيء فإن نسبه لا يغنيه ، ولا يرفعه ، ولا يقدمه ، والنسب هو  الإنتساب إلى القبيلة ونحو ذلك . 
  في هذا الحديث فوائد : 
أولا : الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفّس الله عنه كربة  من كرب يوم القيامة " .
  ومن فوائده : 
الإشارة إلى القيامة ، وأنها ذات كرب ، وقد بين ذلك الله تعالى في قوله : (( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم  ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى  وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد )) [ الحج : 1ـ 2 ] .
  ومن فوائد هذا الحديث :
تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب  العالمين ، ويقام فيه العدل ويقوم الأشهاد .   
   ومن فوائد الحديث :
 الترغيب في التيسير على المعسرين ، لقوله صلى الله عليه وسلم  :" من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة "  والتيسير على المعسر يكون بحسب عسرته ؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا  يوفي به يكون التيسير عليه إما بإنظاره ، وإما بإبرائه ، وإبراؤه أفضل من  إنظاره ، والتيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة ، ويساعد وتهون  عليه المصيبة ، ويوعد بالأجر والثواب وغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون  بحسب العسرة التي أصابت الإنسان .
   ومن فوائد هذا الحديث :
 الترغيب في ستر المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم :  "  من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة " والمراد بالستر : هو  إخفاء العيب ، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ، ولم  يتضمن مفسدة ، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان معروفا بالشر  والفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد  يكون الستر مطلوبا ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسان المعروف  بالشر والفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منه ما  جرى هذا هو الذي يسن ستره . 
  ومن فوائد هذا الحديث : 
الحث على عون العبد المسلم وأن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه  لقوله صلى الله عليه وسلم  :" والله في عون العبد ما كان  العبد في عون أخيه " وهذه الكلمة يرويها بعض الناس : " ما دام العبد " ، ولكن الصواب :"  ما كان العبد في عون أخيه " كما قاله صلى الله عليه وسلم .
    ومن فوائد هذا الحديث :
 الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليه وسلم  :" من  سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " وقد سبق  في الشرح معنى الطريق وأنه قسمان حسي ومعنوي . 
  ومن فوائد هذا الحديث :
 فضيلة اجتماع الناس على قراءة القرآن ، لقوله  :" وما  اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله .. " إلخ . 
  ومن فوائده :
أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله ، أي : في مسجد من  المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها .   
   ومن فوائد هذا الحديث :
بيان حصول هذا الأجر العظيم ، تنزل عليهم السكينة ، وهي الطمأنينة القلبية  وتغشاهم الرحمة أي : تغطيهم ، وتحفهم الملائكة أي : تحيط بهم من كل جانب ،  ويذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عند ملأ ، وقد  قال الله تعالى في الحديث القدسي :    ( من ذكرني في  ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) . 
  ومن فوائد هذا الحديث :
 أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح ، لقوله  :"  من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " .
   ومن فوائد هذا الحديث :
 أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه ، وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به  الدرجات العلى .  
  المصدر : 
التعليقات على الأربعين النووية لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه  الله ( ص : 107 ) .