وجوب الرجوع إلى الحق لفضيلة الشيخ محمد  بن صالح العثيمين رحمه الله 
باب تحريم الكبر  والإعجاب
   
   والكبر : هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير ، وأنه  فوق الناس ، وأن له فضلا عليهم . 
والإعجاب : أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به ، ويستعظمه ، ويستكثره . 
فالإعجاب يكون في العمل ، والكبر يكون في النفس ، وكلاهما خلق مذموم . 
والكبر نوعان : كبر على الحق ، وكبر على الخلق ، وقد بينهما النبي صلى الله  عليه وسلم في قوله :" الكبر بطر الحق وغمط الناس "  فـ " بطر الحق " يعني : رده والإعراض عنه ،  وعدم قبوله ، " وغمط الناس " يعني احتقارهم  وازدراءهم ، وألا يرى الناس شيئا ويرى أنه فوقهم . 
وقيل لرجل : ماذا ترى الناس ؟ قال : لا أراهم إلا مثل البعوض . فقيل له :  إنهم لا يرونك إلا كذلك . 
وقيل لآخر : ما ترى الناس ؟ قال : أرى الناس أعظم مني ، ولهم شأن ولهم  منزلة ، فقيل له : إنهم يرونك أعظم منهم ، وأن لك شأنا ومحلا . فأنت إذا  رأيت الناس على أي وجه فالناس يرونك بمثل ما تراهم به ، إن رأيتهم في محل  الإكرام والإجلال والتعظيم ، ونزلتهم منزلتهم عرفوا لك ذلك ، ورأوك في محل  الإجلال والإكرام والتعظيم ونزلوك منزلتك، والعكس بالعكس . 
أما " بطر الحق " فهو ردّه ، ألا يقبل الإنسان  الحق بل يرفضه ويرده اعتدادا بنفسه ورأيه ، فيرى ـ والعياذ بالله ـ أنه  أكبر من الحق ، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة ،  ويقال : هذا كتاب الله ، هذه سنة رسول الله ، ولكنه لايقبل ، بل يستمر على  رأيه ، فهذا ردّ الحق ـ والعياذ بالله ـ . 
وكثير من الناس ينتصر لنفسه ، فإذا قال قولا لا يمكن أن يتزحزح عنه ، ولو  رأى الصواب في خلافه ، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع . 
والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده ، حتى لو خالف  قوله فليرجع إليه ، فإن هذا أعز له عند الله ، وأعز له عند الناس ، وأسلم  لذمته وأبرأ . 
فلا تظن أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس ، بل  هذا يرفع منزلتك ، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحق ، أما الذي يعاند  ويبقى على ما هو عليه ويرد الحق ، فهذا متكبر ـ والعياذ بالله ـ . 
وهذا يقع من بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ حتى من طلبة  العلم ، يتبين له بعد المناقشة وجه الصواب وأن الصواب خلاف ما قاله بالأمس ،  ولكنه يبقى على رأيه ، يملي عليه الشيطان أنه إذا رجع استهان الناس به ،  وقالوا عنه : إنه إمعة كل يوم له قول ، وهذا لا يضر إذا رجعت إلى الصواب ،  فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس ، فالأئمة الأجلة كان يكون لهم  في المسألة الواحدة أقوال متعددة . 
وهاهو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ إمام أهل السنة ، وأرفع الأئمة من حيث  اتباع الدليل وسعة الإطلاع ، نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان  أكثر من أربعة أقوال ، لماذا ؟ لأنه إذا تبين له الدليل رجع إليه ، وهكذا  شأن كل إنسان منصف عليه أن يتبع الدليل حيثما كان  . 
  
 المصدر : 
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم 
تأليف الإمام النووي رحمه الله 
الشرح لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله [ ج2 / ص 267 ] .