الشيخ محمد سعيد رسلان - حفظه الله تعالى
إنَّ الله إذا أراد بعبدٍ خيراً فتح له من أبواب التوبة والندم والانكسار، والذلِّ والافتقار والاستعانة به، وصدق اللَّجْئِ (=اللجوء) إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات، ما تكون تلك السيئة التي وقع فيها والتي اقترفها سَبَبَ رحمته، حتى يقولَ عدوُّ اللهِ "يا ليتني تركتُه ولَمْ أوقِعْه". وهذا معنى قول بعض السلف: "إنَّ العبد ليعمل الذنبَ يدخلُ به الجنة، ويعمل الحسنةَ يدخلُ بها النار"، قالوا: كيف؟، قال: يعمل الذنبَ فلا يزال نُصْبَ عينيه، خائفاً منه مشفقاً وَجِلاً باكياً، نادماً مُسْتَعْبِرَاً، مستحياً من ربه جلَّ وعلا، ناكِسَ الرأس بين يديه منكسرَ القلب له، فيكون ذلك الذنبُ أنفعَ له من طاعات كثيرة، بما يَتَرَتَّبُ عليه من هذه الأمور التي بها سعادةُ العبد وفلاحُهُ، حتى يكون ذلك الذنبُ سبب دخوله الجنة. ويفعل الحسنةَ فما يزال يَمُنُّ بها على ربه ويَتَكَبَّرُ بها ويرى نفسه ويُعْجَبُ بها ويستطيل بها، ويقول "فعلتُ وفعلتُ"، فيورثه من العُجب والكِبْر والفخر والاستِطالة ما يكونُ سبب هلاكه. فإذا أراد اللهُ جلَّ وعلا بهذا المسكين خيراً، ابتلاهُ بأمرٍ يكسره به، ويُذِلُّ به عنقه ويُصَغِّرُ به نفسَه وعنده. وإن أراد به غير ذلك خَلَّاه وعُجْبه وكِبْره، وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه. وقد أجمع العارفون كلهم على أنَّ التوفيق: أنْ لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نفسك، وأنَّ الخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك.