أيضا من المخالفات التي هي منتشرة عند القراء، وهي أيضا أشد من الأولى، هي استخدام بعضهم لقرينه من الجن، وهذه شبهة شبَّه بها بعض القراء، وحتى سرت في بعض منهم، وهو أنه يقول: أستعين بمسلم الجن أو بقريني, أستعين بمسلم الجن إذا حضروا أو بقريني في معرفة ما بالمرقي, معرفة ما به: هل به عين؟ هل به سحر؟ هل فيه كذا وكذا؟
والاستعانة بالجن الأصل فيها المنع، أجاز بعض العلماء أنَّه إذا عرض الجني أحيانا -يعني نادرا- عرض للمسلم لإبداء إيمانه له فإنه له أن يفعل ذلك؛ لكن ليس هذا من هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا صحابته؛ بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له من الجن حالان:
الأول: أن يأمرهم وينهاهم؛ يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن ضده؛ لأنهم مكلفون، فهم مثل غيرهم في الأمر والنهي.
والحال الثانية: مع الجن شياطين الجن هي أن يستعيذ بالله جل وعلا من شرهم، وأن يسترق بالرقى المحمودة المشروعة لدفع شرورهم.
أما الاستعانة بالجن حتى ولو كان حاضرا فلم يكن عليه هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا صحابته، ومن أجاره من العلماء فإنما هو إذا عرض في حال معينة، وهذا لا ينبغي أن يكون في حال الرقية.
فإذن الواجب هو ترك الاستعانة بالجن؛ لأن هذه وسيلة من وسائل الشر والشرك بالله جل وعلا.
ثم أيضا فيمن استعان بمسلم الجن هذا أوْرثهم أنهم جعلوا هناك مصائب وفرقة وشحناء في النفوس من جراء إخبارهم بما أخبر به من زعموا أنه من مسلمي الجن، يخبرهم أنه هذا فيه عين وهذه العين من زوجته الثانية, من بنت، أو سحر أو شيء هو من كذا، فيحدِّث بما أخبره به هذا الجني، والجني قَبول خبره بما يُخبر به متوقف على أنه عدل وأنه ثقة، وعدالة الجن لا تعلم حتى ولو كان قرين الإنسان أو كان حاضرا معه، لا تعلم عدالة الجني هل هو عدل أم غير عدل ولهذا ذكر علماء الحديث في كتب المصطلح على أن كتب المصطلح أن رواية الجني مسلم الجن روايتهم ضعيفة؛ لأن الرواية في صحتها موقوفة على معرفة العدالة معرفة الثقة وهنا لا سبيل إلى الوصول إليه، فكيف يخبر بخبر الجني هذا الذي يزعم أنه مسلم؛ يخبر بأنه أخبره الجني بأن هذا فيه سحر من فلانة, هذه المرأة فيها سحر من زوجة زوجها الثانية -من ضرتها- أو من امرأة أبيها أو من عمتها، فيخبر بذلك فتقع شحناء وقطيعة إلى آخره, بل قد يقول البلاء من زوجك, زوجك فعل كذا وكذا، وهذا لا يجوز اعتماده، ولا يجوز الاستعانة بالجن في ذلك سدا لذريعة الشرك بالله وللفرقة التي قد تحصل في المؤمنين.
أيضا من المخالفات في الراقين: أنهم تساهلوا في المشروع في الرقية، ولكثرة الناس وقِلَّة الوقت أصبحوا يرقون بأنواع من الرقية في وسيلتها هي مخالفة للوسيلة المشروعة؛ مثلا بعضهم يصنع أختاما؛ ختم فيه الآية يختم بها على زعفران ثم يضع فيه الأوراق، وأنا رأيت من ذلك ختم كبير يختم به على الورقة، والختم لا بد فيه من ضرب على الورقة، وهذه آية من القرآن وهذا امتهان للقرآن؛ لأنه يأتي يختم فيه آية القرآن محرَّم ثم يضربه على الورقة ضربا، هذا مخالفة؛ لأنه امتهان للقرآن وامتهان القرآن محرم.
من ذلك مثلا أنه يأتي بما يسميه: قراءة عادية، وقراءة مركزة، ويقولون أيضا قراءة ملكية، كيف؟ يقول هذا قرأت فيه كذا وإلى آخره، وهذا كله وسيلة من وسائل أكل أموال الناس بالباطل، وخلاف الأصل, الأصل أن يُقرأ بالمشروع دون تفريق، لا تقول هذه قراءة عادية بخمسين ريال، وقراءة ممتازة بمائتين، وقراءة ملكية بألف، هذا مما لا يسوغ؛ لأنه أولا يُفضي إلى أشياء منكرة، ثم هو أيضا مما هو مخالف لما جاء في نصوص السنة؛ يعني في أصل الرقية, هذا مما ينبغي الحذر منه ومخالفته، وأن يكون المرء الراقي يكون مخلصا صادقا معتمدا على المشروع، تاركا لغير المشروع، حذرا من مزلة الشيطان له.
هذه بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الذين يرقون.
من جهة أخرى هناك المخالفات العظيمة الشركية التي يقع فيها السَّحرة والمشعوذون والمتطببة بالباطل, فيأتون بالرقى كما ذكرنا لكم الشركية، يُعطون أوراق فيها أسماء شياطين أو فيها أسماء غير معروفة أو نحو ذلك، فهذا الحذر الحذر منه؛ لأنه شرك بالله جل وعلا، وقد يكون معه والعياذ بالله وصية بذبحٍ لغير الله جل جلاله مما يخرج المرء من دين الله؛ لأنه شرك أكبر وعبادة يجب أن تكون لله جل جلاله، أو يأمره بأن يفعل أشياء من الشرك والعياذ بالله، أو من الكفر كإهانة المصحف ونحو ذلك مما هو كفر بالله جل جلاله.
لهذا يجب على الجميع التعاون على البر والتقوى والتعاون على إنكار المنكر، مَن علم أنه يتخذ في قراءته أو في رقيته أساليب غير شرعية من الشرك والشعوذة والدَّجل فإنه يجب الإبلاغ عنه، ولا تبرأ ذمتك حتى تبلغ عنه؛ لأن هؤلاء يفسدون في الأرض، والله جل وعلا أمر بإصلاح الأرض ونهى عن إفسادها، وواجب التعاون إذا علمت أو رأيت فيجب عليك أن تحذر من أن تسكت، ويجب عليك أن تبلغ، تبلغ من؟ تبلغ جهات الاختصاص، الهيئة، أو تبلغ الإمارة، أو تبلغ القاضي في البلد، أو المحكمة أو نحو ذلك مما تبرأ به ذمتك، أو تبلغ بعض أهل العلم الذين تعرفهم مما تبرأ, لا يجوز السكوت.