عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ...
شيخنا الكريم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يتردد في كلام العامة أو من كبار السن قول يأتي بصور عدة منها ...
( و عِزَتيلي ) أو ( و عِزالي ) أو ( يا عزتالي )
وقد ترد بأناشيد او قصائد عامية ...
وقد سمعت أحد الأخوات تنهى عن قول ذلك لأنه شرك و معناه الإستعانة بالعُزى والعياذ بالله ...
ما الحكم الفيصل هنا شيخنا الكريم ... وجزيتم خير الجزاء وبارك فيكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيراً
وبارك الله فيك
لا يَظهر لي ما قيل في السؤال ، وذلك لأسباب منها :
الأول : أن أصل تسمية العُزّى مأخوذ من العزيز ، والعزيز اسم من أسماء الله تبارك وتعالى .
الثاني : أن معنى "العِزّة " و " التّعَزّز " لا يَدل على الاستغاثة بالعُزّى ، بل لها معانيها في اللغة .
قال الراغب في المفردات :
العِزّة : حالة مانعة للإنسان من أن يُغْلَب ، مِن قولهم : أرض عَزاز ، أي صلبة قال : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) . وتَعَزَّز اللحم اشتدّ وَعَزّ ، كأنه حصل في عَزازٍ يَصْعُبُ الوصول إليه ، كقولهم : تَظَلَّفَ ، أي حصل في ظِلْفٍ من الأرض ، والعزيز الذي يَقْهَر ولا يُقْهَر . قال : (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا) . قال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) ، فقد يُمْدَح بالعِزّة تارة كما ترى ، ويُذَمّ بها تارة ، كَعِزّةِ الكُفّار . قال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) ، وَوَجْه ذلك أن العِزّة التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العِزّة الحقيقية ، والعِزّة التي هي للكافرين هي التَّعَزُّز ، وهو في الحقيقة ذُلّ ، كما قال عليه الصلاة والسلام : كل عِزّ ليس بالله فهو ذُل . وعلى هذا قوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) ، أي لِيَتْمَنِعُوا به من العذاب ، وقوله : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) معناه من كان يُريد أن يُعَزّ يحتاج أن يَكْتَسِب منه تعالى العِزّة ، فإنها له ، وقد تُستعار العِزّة للحَمِيَّة والأَنَفَة المذمومة ، وذلك في قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ) ، وقال : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) . يُقال : عَزّ عَلَيَّ كذا صَعُبَ . قال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) ، أي صَعُبَ ، وَعَزَّهُ كذا غَلَبَه ، وقيل : مَنْ عَزَّ بَـزَّ ، أي : مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . قال تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) ، أي : غَلَبَنِي ، وقيل : معناه صار أعَـزّ مِنِّي في المخاطبة والمخاصمة ، وَعَزّ المطرُ الأرضَ غَلَبَها ، وشاةٌ عَزُوزٌ قَلَّ دَرُّها ، وعَزّ الشيء قَلّ ، اعتبارا بما قيل : كل موجود مَمْلُول ، وكل مفقود مطلوب . وقوله : (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) ، أي يَصْعُب مَنَالُه ووجود مِثْلِه . والعُزَّى صنم . قال : (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى) واسْـتُعِزّ بِفُلانٍ إذا غُلِبَ بِمَرَضٍ أو بِمَوتٍ . اهـ .
فقول العامة : عِزّتِي لي ، أو عزّى لِفلان ، هو من التعزّز ، وهو كما قال الراغب آنفاً : عَزّ عَلَيَّ كذا صَعُبَ .
الثالث – من الأسباب – : أن من قالها لا يُنادي بها ، بل يقول : " عِزتى لي " ونحوها ، ولا يَقول : ( يا عُزَّى ) ولا ( يا عزّ ) فإن هذا الذي يكون فيه دعاء الصنم المعروف في الجاهلية .
الرابع : أن هذا لا يَخرج مَخرج التسخّط لأقدار الله ، ولا لِمسبة الدهر ، بل هو يستصعب حالته
كقول أحدهم – وقد نفِد رصيده من الإجازات :
عِزّى يا قلب جالس للدوام !
فهو لا يَعدو كونه وَصْفـاً .
إذ لو خَرَج مخرج التسخّط لَمُنِع منه من هذا الباب لا من باب كونه دعاء العُزّى .
والله تعالى أعلم .