أخي الفاضل
تأمل معي قول الحق تبارك وتعالى في سورة الفاتحة التي نكررها كل يوم في الفريضة فقط سبعة عشر مرة " إيّاك نعبد وإياك نستعين " وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما " يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ... "
فتأمل قوله تعالى " وإيّاك نستعين "
يقول أهل البلاغة : تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر وذلك لتقدم المعمول على العامل أي المفعول به بلغة أهل العلم على الفاعل
ومعناها نخصك بالإستعانة وحدك
وهذا يدل على أن الأصل في الإستعانة بغير الله حرام , ولكن لما ثبت جواز الإستعانة بالمسلم فيما يقدر عليه أجيزت للضرورة
وأما الإستعانة بالجن فتبقى على الأصل وهو الحرمة ولا دليل يجيز الإستعانة بهم.
وأضرب لك مثالين من واقع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم :
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم بهاجر من مكة الى المدينة ويخرج معه أبو بكر رضي الله عنه وقد استعان بمشرك وهو عبدالله بن أريقظ الديلمي ويسمى بقصاص الأثر
وكان النبي صلى الله عليه وسلم هنا في أحلك الظروف والعدو يتربص به ويبحث عنه فلم يستعن بجن مسلم ولو جاز لكان الاولى من الرجل الكافر الذي استعان به
المثال الثاني : في غزوة الأحزاب أو الخندق لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يذهب الى الكفار ويأتيه بأخبارهم ـ وكان قد بشّر من يذهب الجنة ومرافقته صلى الله عليه وسلمـ ـ كلهم سكتوا حتى أمر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بالخروج اليهم واتيانه بأخبارهم
وكانت القلوب قد بلغت الحناجر وقتها
ألا ترى معي أخي الكريم والحبيب أنه كان بمقدور النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعين بالجن ويخفف على الصحابة عناء هذا الطلب
فحياة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وهدي صحابته رضوان الله عليهم هو عدم الإستعانة بهم في أي امر من الامور
وكل أمر نقوم به وليس عليه هدي السلف ـ والمقتضي قائم في عهدهم ـ لا يجوز القيام به
فقد كان بمقدور النبي صلى الله عليه وسلم الإستعانة بهم وكانت الدواعي والاسباب متوافرة فلما لم يستعن بهم هو ولا أصحابه علمنا عدم جواز ذلك
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ومن الهدي اتباع هدي اصحابه رضوان الله عليهم واتباع ما ما عليه السلف من القرون الثلاثة الأولى
الإستعانة بالجن ليست من هديهم ولا مما دلّ عليه الشرع الحنيف بل الأدلة توحي الى المنع كما في الآية والحديث الآنفي الذكر
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم