السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لعلي منذ مدة طويلة لم أشارك بمواضيع جديدة تتعلق بالرقية أو بالعلاج الروحي ، لكن مشاركتي هذه قد تكون مختلفة نسبياً عن سابقاتها من المشاركات التي سطرتها في كل منتديات الرقية .....
أرجو ألا يعتبر الجميع أني جئت ُ ( أشطح ) و ( أنطح) ، و لكني جئتُ لأعرض عليكم خلاصة تجربة ، و جئتُ لأنبه الجميع على أمورٍ قد يغفل عنها الكثير من المرضى .....
المشكلة في الأمراض الروحية و تشخيصها و أعراضها ، أنها مثل الدوامة ، و صاحبها يصبح مثل الحلقة المفرغة .....
كثيرون يظنون بمجرد تشخيص الراقي (عين ، سحر ، مس) أن كل صغيرة و كبيرة ، هي ذات صلة وثيقة بالداء الروحي نفسه ، و هذا يحتمل الصواب و يحتمل الخطأ أيضاً ....
لقد فتحنا على أنفسنا جبهتين ، فنحن نحارب شياطين الإنس في جبهة ، و نحارب شياطين الجن على الضفة الأخرى....
نحن مطالبون بالاعتدال في تفكيرنا نحو الغيبيات ، و الأمور الروحية ......
الأمور الغيبية أحياناً لا تحتمل الجزم ، و لا تحتمل المنطق ....
لكن في نفس الوقت هناك أمور مادية محسوسة في حياتنا ... و علينا أن نكون متوازنين بين هذا وذاك ....
هناك أدواء روحية و أدواء حسية ، و هناك أيضاً أدوية روحية و أدوية حسيةٌ ايضاً ....
الروح قد تُصاب بالعلة ، و قد يُصاب الجسد ، و قد تُصاب أحدهما فتؤثر على الأخرى .... نحن مطالبون بالتعقل لهذه المسائل كثيراً ...
الراقي قد لا يستطيع أحياناً الغوص في تفاصيل حياة المريض ، إما لضيق الوقت ، و إما مراعاة للخصوصية الشخصية ....
لكن المريض مطالب جداً جداً ، بالوعي و التفريق جيداً بين المسائل الروحية و النفسية و الجسمانية ....
الخلل الذي عندنا .. هو أننا نعتقد أن كل مرض عضوي يظهر تشخيصه عند الأطباء تداويه العقاقير الحسية فقط ، و نهمش دور المعالجة النفسية أو الرقية الشرعية في هذه الحالة ..
والعكس أيضاً ... قد نعتقد أن المرض روحي ، فنلجأ للرقية فقط ، و لا نلتمس الأسباب المحسوسة الأخرى التي تدخل ضمن إطار الأدوية المباحة ...
و هذا خطأ بكل تأكيد ، بل إن علينا التماس الأسباب الحسية و المعنوية الممكنة والمشروعة ... في كلا الحالتين (المرض العضوي ، أو النفسي و الروحي)
عندنا خلل آخر أيضاً : هو أننا عندما نفكر في حل مشكلاتنا فإننا نجملها ، و لا نجزئها (فتبدو لنا كبيرة مستعصية يصعب حلها ) ، و بذلك يتسرب إلينا داعي اليأس و شبح الفشل ...
مشكلتنا أنه ليس عندنا (تعددية ) أو (ديموقراطية ) في حل مشكلاتنا الشخصية ، ليس عندنا (تجزئة ) في التفكير بمشكلاتنا ....
هناك مشكلات في حياتنا يصلح أن نعالجها من الناحية العضوية ، و هناك أخرى علاجها الناجع يكون في الجانب النفسي ، و هناك جانب آخر لا يمكن حله إلا من الناحية الشرعية و الروحية ..
لكننا للأسف قد نُصاب أحيانا بداء (فوضى التعميم في حل المشكلات) ....
قد نزور راقياً فيخبرنا أن التشخيص ( سحرٌ ) مثلاً .... فنجعل كل شيء في حياتنا سحر ، و جن و شياطين ، تنقطع الكهرباء فنقول (جن) ، و ينقطع الهاتف فنقول (عفريت )، و نخطيء في حق أنفسنا أو أسرتنا فنقول (خادم السحر) ، و نخسر في أسهمنا فنقول ( هامور ٌ من الجن باع و اشترى و ضيّع أموالنا ) ....
ثم قد نواجه صديقاً في لقاءٍ عابر ، أو نستشير معالجاً أسرياً أو نفسياً ، فيقول لنا مثلاً (انفصام أو اكتئاب ) فنقلب اتجاه البوصلة ، و ندير كل حياتنا نحو جانب الوهم و الوسوسة و الأعراض الفصامية و الهلاوس اللاشعورية ، و نعيش في أزمة قاتلة حقاً ، بين هذا و ذاك ....
و الصواب أن نفهم أنفسنا بدلاً من أن نترك للآخرين محاولات التنقيب و التخمين في حلول مشكلاتنا ، و أن ندير حلول مشكلاتنا بدلاً من الاتكال على الآخرين في توجيهنا و تسييرنا ... فالراقي أو المعالج لا يملك عصا موسى ، و لا فراسة عيسى ، و لا يعلم الغيب إلا الله ، و السعي مطلوب من المريض نفسه ، لا من الراقي أو الطبيب ....
الاستشارة مطلوبة و مفيدة جداً ، وخاصةً إذا كانت من شخصٍ مدركٍ و واعٍ و على درجةٍ عالية من العلم و فهم الواقع و متغيرات الحياة .. لكننا مطالبون أيضاً بأن نكون عقلاء مدركين لما يُقال لنا في هذه النصائح و الاستشارات ...
التجارب القاسية يجب أن تزيد من خبرتنا في الحياة ، و قوتنا في سبر أغوارها ، لا أن تحبطنا و تجعلنا نلعن الظلام بدلاً من أن نشعل شمعة فيه ...
لنتذكر قوله تعالى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )
الحياة هذه كدح و كدح و كدح ... حتى نهايتها ...
لكن ( في الصباح يحمد القوم السرى ) ....
الزمن لا يستريح ، فعلينا أن نبذل أوقاتنا و نكدح فيما يثقل الموازين ، و يبيض الوجه و يزين ، و ينفع في اليوم الذي لا تنفع فيه الأموال و لا البنين ، و لا يجديك فيه الراقي الأريب و لا الطبيب الفطين .....
والله من وراء القصد
أختكم : أم بثينة ( الزاوية القائمة )