بقلم:د.أحمد الجبلي
يعتبر المدرب العالمي الدكتور مصطفى أبو السعد أحد أبزر المتخصصين في علم النفس التربوي في الوطن العربي والإسلامي، وقد جمع في تخصصه بين علوم العصر كالطب النفسي وعلم التربية و العلاج بخط الزمن من جهة، وبين علم التربية في الإسلام سواء من خلال أصوله – أي الإسلام - أو ما حوى التراث الإسلامي قديما وحديثا من نظريات ومناهج تربوية.
وحتى نكتنز من علم الدكتور مصطفى أبو سعد، وتجربته الفريدة، ونتواصل مع كتاباته العلمية والتربوية، التي لا يعرفها الكثير لنذرتها. فإننا ارتأينا أن نقتبس من فكره وتصوره للكثير من الاستراتيجيات التربوية التي يستفيد منها أبناء الشرق الإسلامي أكثر مما يستفيد منها أبناء غربه. وإيصالا لفكر هذا الرجل العالم المغربي النادر المتخصص في البرمجة اللغوية العصبية و المدرب العالمي في التنمية البشرية والدكتور في علم النفس التربوي سنتناول في هذا المقال إن شاء الله تعالى أستراتيجية التركيز على حل المشكلة:
يبدأ الدكتور أبو السعد حديثه عن هذه الإستراتيجية بطرح سؤال مهم وهو: ماذا يحدث لو أنك توجهت لحل مشكلة السلوك المرفوض لدى ابنك؟ هل ستتخلص من آثار الانفعال والتوتر عن طريق هذه الإستراتيجية التربوية؟
إن أهم إيجابية تميز هذه الاستراتيجية هي التركيز على حل المشكلة وليس على الابن إنها استراتيجية تبرمج سلوكك التربوي، وتحدد موقفك الإيجابي أمام السلوكيات المرفوضة والمزعجة... إن تركيزك على حل المشكلة حينما يتكرر هذا الموقف، يحدث لديك برمجة إيجابية تجعلك تمارس دور المربي الذي يحرص باستمرار على حل مشكلات الأبناء ومساعدتهم للتخلص من السلوكيات السلبية... وتساعد الأب كذلك ليكون هادئا صبورا حليما..وهذه من أهم خصال المربي الناجح.
إذا رأيت ابنك يمزق الجريدة اليومية أمامك... وتعودت على الصراخ والعنف وتوجيه اللوم... فإنك من خلال هذه الاستراتيجية سوف تتعلم الهدوء، والتفكير في إبعاد الابن عن هذه العادة السلبية...سوف تتعلم أولا كيف تبدع في إبعاد ابنك عن تمزيق الجرائد والكتب مثلا... وتتعلم كذلك كيف لا تسقط ضحية انفعالاتك الداخلية.
إن هذه التقنية في التعامل مع سلوكيات الأبناء سوف تنشء علاقات متميزة داخل الأسرة وتسهم في إيجاد أنموذج رائع لأسرة متعاونة متراصة...
ربما يحار الآباء ولا يعرفون كيف لا يسقطون ضحية لانفعالاتهم. ولذلك فلم يفت أبا السعد أن يقدم توجيها هو عبارة عن إيحاء إيجابي مساعد إذ يقول:
قد تضعف أحيانا أمام بعض السلوكيات المرفوضة، وتجد نفسك في حاجة إلى إفراز التوتر، والتخفيف من الانفعالات...وقد كانت الخطوة الأولى للعلاج بالتركيز على الحل، وليس على الابن...
وحتى تقوي هذه الخطوة، ولا تضعف أمام غضبك يمكنك اللجوء إلى بعض الإيحاءات الإيجابية المساعدة على التمسك بهذه الاستراتيجية...ومنها:1-
1- توجه لابنك وعبر له عن محبتك، سواء بإخباره: أنا أحبك...أو بضمه أو تقبيله...
2- تذكر وردد: المشاكل يمكن حلها...السلوكيات المزعجة يمكن تعديلها وإصلاحها..
3- ردد في المقابل: الغضب يؤدي إلى الانفجار...
4- الانفجار خطير!
5- علي أن أختار: هل أوجه سلوكي للبناء أم للهدم؟
بعد هذه التوجيهات يستطرد الدكتور أبو السعد قائلا: التركيز على المشكلة أهم خطوة في استراتيجية البرمجة الإيجابية للمربي الإيجابي...وسنتحدث عن قانون التركيز على المشكلة كيف يصبح سلوكا اعتياديا..وكيف نتخلص من الأساليب التي تحول بين المربي واكتساب هذه المهارة.
15 أسلوبا سلبيا في التعامل مع السلوكيات المزعجة:
هناك أساليب سلبية تبعد المربي عن التركيز على المشكلة وإيجاد حلول لها، وتجعل التوجه لشخص الطفل سيد الموقف... ومن هذه الأساليب:
1- الصراخ: الصراخ يلغي لغة التواصل والتفاهم بين طرفي المعادلة...فالابن يدخل في حالة من الدفاع عن النفس والخوف من الصوت المرتفع، ويركز اهتمامه عاى الطرق التي تحميه من ردود أفعال غير منتظرة، ولا يبدي أي اهتمام بسلوكه الذي أثار هذه الصراخ، وتسبب فيه...
كما أن الصراخ يعد أسوأ طرق التعامل مع الطفل، وآثاره السلبية أكثر من آثار الضرب وغيره من الأساليب العقابية الأخرى...هذا بالإضافة إلى كون الصراخ يحدث ما يسمى ب(الرابط السلبي) لدى الطفل، والذي يدوم مع الطفل طيلة حياته...ومهما كبر فإن أي رفع للصوت أمامه يعيد لديه تلك المشاعر السلبية التي استشعرها وهو طفل صغير ضعيف...
2- التأنيب واللوم: كثرة التأنيب واللوم يوغران القلوب، ويفككان العلاقات والروابط، ويبعدان القلوب، ويقتلان المشاعر الإيجابية بين الطرفين...
3- الأوامر الكيفية: كثرة الأوامر دون عملية إقناع ترافقها تحول الابن إلى آلة لتنفيذ الأوامر، وتلغي شخصيته وتضعفها...وتجعل منه شخصا انقياديا مستسلما لا كيان له...
4- التهديدات: كثرة التهديد بكل أنواعه: (المباشر وغير المباشر، اللطيف والعنيف...) لا يساعد ولا يسهم في حل المشكلة، أو إبعاد الابن الصغير عن السلوك المزعج، وإن بدا لنا أنه يترك هذا السلوك ويتخلى عنه، فإن هذا يتم بشكل مؤقت، وبدافع الخوف من التهديد لا من خلال قناعات ومعتقدات ودوافع داخلية...
5- السخرية: السخرية من السلوك المرفوض تسحب الثقة من الطفل، وتقنعه بعدم قدرته على التخلي عن سلوكياته المزعجة...إضافة إلى كون السخرية تحطم المعنويات، وتضعف كيان الطفل وعادة ما تدخله في عالم منطو على ذاته بعيدا عن التفاعل مع محيطه بشكل إيجابي ومستقل...
6- الشتم: شتم الطفل ووصفه بنعوت سلبية تثبت هذه الأوصاف، وتقنع الطفل بها إضافة إلى أن الشتم يعلم الابن البذاءة، وسوء الخلق، ويجعله ضحية آفات لسانه..
7- المقارنة: لا تقارن طفلا أبدا بغيره... فالمقارنة – أصلا- لا تجوز بين شخصين وهي غير منطقية...إذ المقارنة تتم عادة بين سلوكين أو موقفين لا بين شخصين. فالمقارنة بين طفل وغيره أسلوب ينزع ثقة الطفل بنفسه وقدراته، ويقنعه بفشله وعدم قدرته أن يكون مثل غيره...
8- المبالغة في الوعظ: النفس البشرية ترفض المبالغة في الوعظ، وتسأم ويصيبها الملل.. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه رضي الله عنهم بالموعظة مخافة السآمة...والطفل يرفض أن يتلقى باستمرار وعظا مبالغا فيه ومباشرا.
9- سوء الظن بالطفل: تفسير السلوك دائما بشكل سلبي يعد من سوء الظن بالطفل ويؤكد عدم الثقة فيه وفي أخلاقه وقيمه...وهذا يؤدي إلى انعدام الثقة بين الابن ووالده...وإذا اندثرت هذه الثقة أغلقت أبواب التواصل بينهما...ذلك أن أية علاقة متينة لا يمكنها أن تقوم إلا على ثقة متبادلة...
10- الاتهام: حين تضع ابنك في قفص الاتهام فأنت تقوم بدور القاضي الذي يصدر الأحكام، والمحقق الذي يصدر الاتهامات بدل أن تقوم بدورك بوصفك مربيا ومصلحا..
والاتهام يكون مبثوثا في أسئلتك...ففرق شاسع بين أن تسأل ابنك لماذا تأخر؟ من باب الاطمئنان عليه والحرص على سلامته...وأن تسأله لماذا تأخر؟ من باب الاتهام وسوء الظن فيه...فالدافع الأول يقربكما ويجعل ابنك يتواصل معك، ويفتح قلبه وحديثه معك...والثاني يجعله ينغلق وقد يدفعه للتهرب والكذب..
11- العقاب: العقاب بشتى أساليبه لا يجعلك تركز على الحلول بقدر ما يكون – بالنسبة لك – إشفاء للغليل، أو إفرازا للتوتر.. والطفل الخاضع للعقاب قد يستجيب لك ولكن بشكل مؤقت، أو أنه يتعلم الازدواجية السلوكية فأمامك يتصرف بسلوك، وفي غيابك ينهج سلوكا مخالفا.
12- التجريم: وهو من الأساليب التي تجعل كل شيء أسود في عين الأب، ويجعل كل سلوك يصدر من الابن جرما...
13- المن: كثرة المن على الطفل وتذكيره بأعمالك وتعبك، يجعله في موقف ضعف وتأنيب عادة ما ينتهي بمحاولاته التخلص من ذلك المن المستمر، وقد يلجأ الطفل حينئذ للسرقة لتوفير حاجياته أو الهروب من المنزل لاحقا..
والمن يتم بأشكال متعددة منها: - بعد كل ما عملته من أجلك- تفعل هذا؟!...أو: أنا أشتغل وأتعب من أجلك...
14- الانتقاد المستمر: كل شيء لا يعجب الأب، وكل سلوك من الطفل لا بد أن يجد له الأب ثغرات ينتقدها..وهذا الانتقاد يجعل الابن زاهدا في العمل والإنجاز...مفضلا الاستكانة والعزلة...
15- التحذير: قد يؤدي التحذير من الأشياء غير المقبولة – أحيانا –والتي لا تصدر – أصلا – من طفل إلأ فتح ملفات التحذيرات في ذهنه وتفكيره...فالحديث مثلا مع الابن بأسلوب التحذير " لا تدخن!إياك والتدخين..." تنشء ملفا عن التدخين في ذهنه، يمكنه أن يفتحه في أية لحظة ضعف أو سوء تفاهم بين الوالد وابنه...ليجعل من لجوئه للتدخين ردة فعل أو تحديا أو ميلا للمعاكسة...
ولذلك ينبغي التركيز على ما تريده من ابنك، بدل التركيز على ما لا تريد...
* تذكر: ركز تفكيرك على ما تريده بالفعل من ابنك...
5 خطوات ومهارات للتركيز على حلول المشكلات:
تعلم أن مهارة التركيز على الحلول تبدأ بالابتعاد عن الأساليب السلبية في التعامل مع السلوكيات المزعجة لدى الأطفال والتخلص منها...
وقد بينا خمسة عشر أسلوبا سلبيا..وفي هذه الوقفة سنتحدث عن مهارات التركيز على حلول المشكلات...
1- صف المشكلة:
وصف المشكلة يعني تحديدها...بمعنى أوضح، سلوك الابن مثلا..أين المشكلة فيه؟..وما وجه المشكلة؟.. ومن خلال هذه المهارات سيتعلم الآباء محاصرة المشكلة وتحديدها، ويتعلمون كذلك هل كل سلوك مزعج مشكل أم أنه أحيانا ليس سوى مبالغات أو أنانية من قبل الكبار؟.. من مثل الانزعاج من حركة الابن في البيت..أو من كثرة تساؤلاته...
محاصرة المشكلة ووصفها يعنيان أنك تحذف الأساليب التربوية غير السليمة كلها والتي ذكرناها في الوقفة السالفة.
طفلك يرمي بقايا الموزة أرضا...وصف المشكلة يعني أن تقول: "بقايا الموزة تؤدي إلى الانزلاق فالضرر...)
2- أعط معلومات:
إعطاء الطفل معلومات جديدة عن المشكلة يعني أنك تعلمه أو تذكره، وتكرار التعليم والتذكير يبرمج الطفل للابتعاد عن المشكلات والالتزام بالحلول...
إن إعطاء المعلومات يشعر الطفل بالمسؤولية، ويمنحه الثقة في قدرته على تجاوز السلوك المرفوض فضلا عن شعوره بثقة الكبر في شخصيته...
بدلا من أن تلجأ للاساليب السلبية في علاج لجوء ابنك لفك العلب بأسنانه، أخبر ابنك أن هذا السلوك يخلخل الأسنان ويضعف قوتها...
3- أعط حلولا:
وصف المشكلة يجعل ابنك يعرف أصل المشكلة...والمعلومات تؤكد له وتقنعه بالمشكلة...والموقف المطلوب بعد هذا أن تعطي حلولا...
- بقايا الموز ترمى في القمامة...
- العلب تفك بالمفتاح الخاص...
- الفاكهة تؤكل بعد غسلها...
4- أوجز كلامك:
الإطناب في الحديث والوصف، وإعطاء المعلومات يصيب الابن بالملل والسآمة...ولذلك كان الكلام الموجز أكثر تأثيرا وقوة في الإقناع.
الكلام المختصر، أو المختصر المفيد يمنح الطفل فرحة لإعادة تقييم سلوكه، ومجالا للتفكير واتخاذ القرار بضرورة التغيير...قفضلا عن كون هذه المهارة طريقا لاختصار الوقت، وتفادي اللغو في الكلام والتأويلات السلبية...
هذا الأسلوب في التعامل مع الطفل ينمي الذكاء الوجداني لدى الطفل بشكل عاطفي مع مشاعر الوالد...وهذا يقرب التواصل النفسي بين الوالد والطفل...
والتعبير عن المشاعر قد يكون من خلال طرح توقعاتك من مثل: "أنا أنتظر منك أن تكون مرتبا، متميزا في خلقك، محافظا على صلواتك...أو مثل: "أتوقع منك أن تكون لطيفا مع أخيك الأصغر".
إن التعبير عن المشاعر ينبغي ألا يمس بسلبية موقفك من ابنك، بل دع مشاعرك السلبية، تجاه السلوك، بينما المشاعر إيجابية من الطفل نفسه...من مثل:
أنزعج من رؤية غرفتك بهذا الشكل من الفوضى...أتوقع من ابني الحبيب أن تكون غرفته أجمل وأفضل تنسيقا...
الخلاصة:
إن تركيز المربي على الحلول بدل المشكلة – والتوتر والانفعال – يفيد ليس مع الصغار فحسب، بل تعد أسلوبا ناجعا مع الكبار أيضا سواء أكانوا مراهقين أم شبابا...
إن مواجهة السلوكيات المزعجة بعقلية البحث عن الحلول والتركيز عليها لا تجنب الأسرة العديد من المشكلات والإزعاج من مثل الصراخ والشدة والعناد والجدال فحسب، بل تربط العلاقات الأسرية بحبل متين وتوطدها...
إن ممارسة هذه الاستراتيجية مع الكبار لا تختلف عنها مع الصغار...لكن تتضح أهميتها بصورة أكبر مع الكبار.. فالأطفال غالبا ما تكون دوافع سلوكهم المزعجة من داخلهم، ولا يفكرون – إلا نادرا – في إحداث قلق وتوتر لدى الوالدين...بينما الكبار يمكنهم استغلال انفعال الوالد وتوتره كنقطة ضعف في علاقتهم بالوالد...فيتحول دافع سلوكهم المزعج إلى انتقام من الكبار (الوالدين) أو ردة فعل.