د. طارق الحبيب
تلك حيلة الضعيف ولعبة الجبان، وهي الجواب عن غير سؤال السائل، تهرباً من الإجابة المباشرة إما خجلاً أو حرجاً منها. وربما تكون الإجابة تساؤلاً آخر أو شيئاً مما يحبه السائل حتى ينسى سؤاله.
وقد نهج ذلك الكفار في حوار أنبيائهم فحين سأل إبراهيم قومه عن آلهتهم: (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (الشعراء:72 ، 73)..
إنما أراد بذلك أن يذمهم ويعيب آلهتهم، فعرفوا ذلك فصاروا بين أمرين:
أن يقولوا: نعم يسمعوننا حين ندعو أو ينفعوننا أو يضروننا، فيشهد عليهم بلغة قومهم أنهم كذبوا، لأنهم قالوا قبل قليل: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (الأنبياء: من الآية65)،
أو يقولوا: لا يسمعوننا ولا ينفعوننا ولا يضروننا، فينفون عن آلهتهم القدرة، وعلموا أن الحجة عليهم "لإبراهيم"؛ لأنهم في أي القولين أجابوه فهو عليهم، فحادوا عن جوابه واجتلبوا كلاماً من غير ما سألهم عنه قالوا (َبَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (الشعراء: من الآية74) فلم يكن هذا جواب مسألته.
يقول امرؤ القيس:
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً *** عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه *** ولا تبعديني عن خبــــــــاك المحلل
ولم يكن هذا جواباً لقوله: "عقرت بعيري"، وإنما حاد عن جوابها فاجتلب كلاماً غيره فأجاب به.
ويروي لنا التاريخ حيدة الضال "بشر بن غياث المريسي" في مناظرته للإمام عبد العزيز بن يحيى في حضرة الخليفة المأمون، وقد دون الإمام تلك المناظرة في كتابه "الحيدة وانتصار المنهج السلفي" حريٌ بطالب العلم أن يراجعها.
ومن الحيدة: توسل الشخص بالعاطفة بدلاً من أن يقدم أساساً معقولاً لرفض اقتراح أو فكرة، وكثيراً ما يولع أمثال هذا الشخص بالإشارة، - في معرض النقاش– إلى اعتبارهم الذاتي ومؤهلاتهم الحقيقية أو المزعومة كدليل على صحة ما يقدمونه من أفكار، بدلاً من أن يقدموا حقائق أو حججاً صريحة، ويتركوها هي تتكلم بنفسها.
وإن قلت ما قلت في ذم الحيدة، فإنها تظل الحيلة المستطابة والمنفذ الآمن للزوج من إحراجات زوجته!!