*****
في قديم الزمان
وسالف العصر والأوان
كان هناك طائر يعاني من عقد نفسية مركبة ،
لم يكن جميلا كسائر فصيلته من الطيور ذات الاجساد المتناسقة والأصوات الجميلة ،
والريش الملونة ، والتيجان المرصعة
وحدث أن أحبته حمامة جميلة
أحبته كما هو ، على بشاعته ، وقصور أدائه
لم يكن به ثمة شيء مميز الا ما يحاول ان يحشو به أذهان خصومه من قصص خرافية عن نفسه
ولكن الحمامة ، لم تكترث لكل ما به من نقائص
أحسته طيبا ، مسالما ، وادعا .... وأحبته
ولم يصدّق الطاووس البسيط
ان حمامة رائعة الجمال
رائعة الصوت ، تطير بانسياب وتناغم بهذه الروعة
تحبه ، رغم كل ما فيها ، وكل ما فيه
هو عن سائر الطيور ،
فسارع الى طلب يدها
وتم الزواج
ولكن السوسة ، عادت تنخر رأسه
كيف تحبك حمامة كهذه وتترك كل من حولها
وأنت أقلهم وأدناهم ، وهل من الممكن أن يحبك أحد ؟
فأساء معاملتها ، وآذاها
ولم يفلح الحب الكبير ، ولا الحنان الكبير
في احتواء من لا يحبّ نفسه
وكان كلّما اقتربت منه أكثر ..أهملها أكثر
وكلما سامحته أكثر .. انتقم منها أكثر
الى أن صفقت الباب خلفها ..ذات يوم
لا يمكن لظلم كهذا أن يكون حبا..
ثمة حدّ يصبح فيه التسامح ..اهانة
وفردت جناحي النسيان وطارت بعيدا عنه
ولكن الحمامة كانت كلما حلّقت بعيدا
تحنّ الى الأرض .. إليه
فتعود ...لتطرق بابه
فيقتص منها ريشة ملوّنة
تغادره مجروحة ، وتطير باكية
ينظر اليها مبتسما وهي تطير بعيدا عنه
فتكسر جناحيها ابتسامته وتكسرها
تطير بعيدا بعيدا
الى أن تستعيد أجنحتها ،
ثم تحنّ اليه، تشدّها الأرض إليه
فتعود
تاركة حقول القمح الواسعة
لتنناول من كفيه النزر القليل
فينتزع منها ريشة ملونة
وتغادره متألمة
وهكذا ... كلما طارت بعيدا عادت
وكلما عادت .. غادرت
فاقدة ريشة ملونة كل مرة
في كل مرة ،ينتظر عودتها ليكمل تاج الغرور
ويلون نفسه بإحدى ريشاتها الجميلة
وبمرور الأيام ...
تحولت هي الى حمامة دامية الجناح
وتحول هو الى طاووس مزخرف بريشاتها
أدماها انتزاع الريش
وأرهق كبريائها تكرار العودة
وسفكت على بابه أيامها
وفي أحد مساءات الحياة
أثناء تحليقها حنينا اليه
أصابتها رصاصة غدر من واقعه
ألقت بها بعيدا عن أرضه
فأضاعت عنوانه.....
اليوم أكملت الحمامة ريشاتها الناقصة
ونمت أجنحتها المغدور بها ثانية
واستعادت قدرتها على التحليق في الآفاق
ولمس النجوم وغمز القمر
و لم تعد اليه....... أبدا
ثمة ضربات تقتلنا...
وثمة ضربات ..نحيا على إثرها
*****
إهداء : الى صديقتي الحبيبة الجنة الخضراء / أم عبد الرحمن الغالية