موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > الساحات العامة والقصص الواقعية > ساحة الموضوعات المتنوعة

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 09-12-2011, 11:34 PM   #1
معلومات العضو
عبد الغني رضا

Lightbulb إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ

إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
إبراهيم بن محمد الحقيل
22/12/1432
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ وَالْعَدْلِ، وَحَرَّمَ الْبَغْيَ وَالظُّلْمَ، وَوَعَدَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَتَوَعَّدَ أَهْلَ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ بِعَذَابٍ عَاجِلٍ أَلِيمٍ. نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ فَفَتَحَ اللهُ تَعَالَى بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّ تَقْوَاهُ عَوْنٌ لِلْعَبْدِ فِي الشَّدَائِدِ، وَعُدَّةٌ فِي الْمَضَائِقِ؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ**.
أَيُّهَا النَّاسُ: تَمْتَلِئُ نَفْسُ الْجَهُولِ بِالْكِبْرِ وَالْعَظَمَةِ، فَلاَ تَرَى لِأَحَدٍ قَدْرًا، وَلَا تَفِيهِ حَقًّا، وَتُنَازِعُ اللهُ تَعَالَى فِي خَصَائِصِهِ، مَعَ ظَنِّهَا أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا خُلِقُوا لِأَجْلِهَا، هَذِهِ النُّفُوسُ الظَّالَمِةُ الْخَاطِئَةُ تَدْفَعُ أَصْحَابَهَا إِلَى الْعُلُوِّ عَلَى النَّاسِ، وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَالْبَغْيِّ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَالْبَغْيُ كَلِمَةٌ قَبِيحَةٌ يَجْتَمِعُ فِيمَنِ اتَّصَفَ بِهَا الْكِبْرُ وَالْعُلُوُّ وَالاعْتِدَاءُ، فَهُوَ اسْتِعَلاءٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمُجَاوَزَةُ النَّفْسِ قَدْرَهَا وَاسْتِحْقَاقَهَا، يَنْتُجُ عَنْهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَ غَرِيبًا أَنْ تَجْتَمِعَ شَرَائِعُ النَّبِيِّينَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَجَاءَ تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونًا بِالشِّرْكِ؛ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
وَنَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وَأَكَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ:«إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَبَغْيُ الْإِنْسَانِ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ؛ فَبَغْيُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِعَمَلِ مَا يُوجِبُ لَهَا الْعَذَابَ مِنَ الشِّرْكِ فَمَا دُونَهُ مِنَ الْمَعَاصِي، وَكُفَّارُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَدْ رَدَّهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْيُهُمْ عَلَى الْعَرَبِ، وَاحْتِقَارُهُمْ لَهُمْ، وَاسْتِكْثَارُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِنْهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)، وَكَانَ بَغْيُهُمْ سَبَبًا فِي عِنَادِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ، وَتَحْرِيفِهِمْ لِكُتُبِهِمْ، وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى رُسُلِهِمْ؛ (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ).
وَمِنْ أَقْبَحِ البَغْيِّ وَأَشَدِّهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسُ رَبَّهُمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي شَدَائِدِهِمْ، وَيُعَاهِدُوهُ عَلَى الأَوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَإِذَا كَشَفَ اللهُ تَعَالَى كَرْبَهُمْ، وَرَفَعَ بَأْسَهُمْ، وَأَزَالَ شِدَّتَهُمْ؛ نَكَثُوا عَهْدَهُمْ، وعَادُوا إِلَى سَابِقِ حَالِهِمْ؛ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
وَأَمَّا البَغْيُ عَلَى الغَيْرِ فَيُؤَدِّي إِلَى ظُلْمِ النَّاسِ، وَالعُلُوِّ عَلَيْهِمْ، وَبَخْسِهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَيَشْتَدُّ قُبْحُ ذَلِكَ وَذَمُّ صَاحِبِهِ حِينَ يَكُونُ البَاعِثُ عَلَى البَغْيِّ نِعْمَةً حَصَلَتْ لِصَاحِبِهَا، فَقَابَلَهَا بِالبَغْيِّ بَدَلَ الشُّكْرِ؛ كَمَا وَقَعَ لِقَارُونَ البَاغِي؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فَرَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى مَالاً عَظِيمًا؛ فَبَغَى بِسَبَبِهِ (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ)، وَنُصِحَ فَقِيلَ لَهُ: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْعَوِ عَنْ بَغْيِهِ، وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْ فَسَادِهِ، وَنَسَبَ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)! وَكَمْ مِنْ صَاحِبِ مَالٍ وَجَاهٍ يَسِيرُ سِيرَةَ قَارُونَ فِي بَغْيِّهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى النَّاسِ، فَيَكْفُرُ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ؟!
وَالغَالِبُ أَنَّ البَاعِثَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ البَغْيِّ هُوَ حُبُّ الدُّنْيَا، وَالتَّعَلُّقُ بِهَا، وَالتَّنَافُسُ عَلَيْهَا، فَمَنْ حَصَّلَهَا بَغَى عَلَى مَنْ دُونَهُ بِالكِبْرِ وَالظُّلْمِ وَالاعْتِدَاءِ، وَمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا حَسَدَ مَنْ حَصَّلَهَا؛ فَبَغَى عَلَيْهِ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالبُهْتَانِ، وَمِنْ أَعْلامِ النُّبُوَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي أُمَّتِهِ فَوَقَعَ عَلَى مُقْتَضَى خَبَرِهِ، كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:«سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ؟ قَالَ: الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّنَاجُشُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ»؛ رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ:«حَتَّى يَكُونَ الْبَغِيُّ، ثُمَّ يَكُونَ الْهَرْجُ»، فَالبَغْيُ يُؤَدِّي إِلَى الاقْتِتَالِ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ مِنَ القِتَالِ فِي الأَرْضِ بَغْيٌ بِسَبَبِ التَّنَافُسِ عَلَى الدُّنْيَا، والتَّكَاثُرِ فِيهَا.
وَالصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، وَمُعَادَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُحَارَبَةُ دِينِهِ تَجْمَعُ نَوْعَيِ البَغْيِ، فَيَبْغِي صَاحِبُهَا عَلَى نَفْسِه بِحَرْبِ اللهِ تَعَالَى، وَيَبْغِي عَلَى غَيْرِهِ بِإِيذَائِهِمْ عَلَى الدِّينِ، وَمُعَادَاتِهِمْ بِسَبَبِهِ، وَمَنْ عَادَى للهِ تَعَالَى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنَهُ بِالمُحَارَبَةِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، المُحَادِّينَ للهِ تَعَالَى، المُعَانِدِينَ لِشَرِيعَتِهِ!
وَأَشْهَرُ مَنْ جَمَعَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ البَغْيِّ فِرْعَوْنُ؛ (وَجاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا)، وَكَمْ فِي هَذَا الزَّمَنِ مِنْ فَرَاعِنَةٍ بَغَوْا عَلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى بِالصَّدِّ عَنْهُ وَمُحَارَبَتِهِ، وَعَلَى النَّاسِ بِالعُلُوِّ عَلَيْهِمْ وَظُلْمِهِمْ؟!
وَمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ جَازَ لَهُ الانْتِصَارُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْصَافُهَا مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِ، وَلاَ لَوْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).
وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: «وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ»؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالمَبْغِيُّ عَلَيْهِ مَنْصُورٌ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَعَدَ المَظْلُومَ المَبْغِيَّ عَلَيْهِ بِالنَّصْرِ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ).
فَإِنْ جَاوَزَ الحَدَّ فِي الانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ، وَبَالَغَ فِي الانْتِقَامِ مِنْ خَصْمِهِ، وَعَاقَبَ بِأَكْثَرَ مِمَّا عُوقِبَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ مِنْ مَبْغِيٍّ عَلَيْهِ إِلَى بَاغٍ، وَيَجِبُ إِيقَافُهُ عَنْ بَغْيِهِ؛ (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ).
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرُدُّهُمْ عَنِ البَغْيِ، وَيَمْنَعُهُمْ أَسْبَابَهُ وَلَوْ طَلَبُوهَا وَاجْتَهَدُوا فِي نَيْلِهَا، فَلاَ يُعْطِيهِمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ وَيَسْأَلُونَ مِنْ جَاهٍ وَمَالٍ؛ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ يَبْغُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلِجَهْلِهِمْ بِدَخَائِلِ نُفُوسِهِمْ، وَمَكْنُونِ قُلُوبِهِمْ، وَمَا فِيهَا مِنَ البَغْيِّ الكَامِنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ وَيُخْرِجُهُ المَالُ وَالجَاهُ؛ (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
إِنَّ عَاقِبَةَ البَغْيِّ وَخِيمَةٌ، وَإِنَّ خَوَاتِمَ أَصْحَابِهِ خَوَاتِمُ سُوءٍ، وَإِنَّ فِي مَصَارِعِهِمْ مَا يَزْجُرُ عَنِ البَغْيِّ مِنْ مَصِيرِ فِرْعَوْنَ الأَوَّلِ، إِلَى نِهَايَاتِ فَرَاعِنَةِ هَذَا العَصْرِ الَّذِينَ آذَوُا النَّاسَ فِي رَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَدِينِهِمْ، وَمَنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَاسْتَعْلَّوْا عَلَيْهِمْ، وَعُقُوبَةُ البَغْيِّ مُعَجَّلَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِّ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
هَذَا؛ وَقَدْ رَأَيْنَا عُقُوبَةَ البَغْيِّ آيَةً بَيِّنَةً فِي بُغَاةِ هَذَا العَصْرِ، وَمَا فَعَلَ اللهُ تَعَالَى بِهِمْ حِينَ مَنَحَ المُسْتَضْعَفِينَ أَكْتَافَهُمْ، وَأَمْكَنَهُمْ مِنْهُمْ!
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-:«لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجَعَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا».
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ البَغْيِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ إِعَانَةِ بَاغٍ عَلَى بَغْيِّهِ، وَلَوْ كَانَ المَبْغِيُّ عَلَيْهِ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا، وَالبَغْيُ مِنْ أَفْحَشِ الظُّلْمِ وَأَشَدِّهِ، وَكُلَّمَا كَانَ المَبْغِيُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ إِيمَانًا وَاسْتِقَامَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ تَعَالَى كَانَ البَغْيُ عَلَيْهِ أَفْحَشَ مِنَ البَغْيِّ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَمِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ: التَّعَوُّذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَقْتَرِفَ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ سُوءً أَوْ يَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ.
نَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنَ البَغْيِّ عَلَى الخَلْقِ، وَبَطَرِ الحَقٍّ، وَغَمْطِ النَّاسِ، وَالفَسَادِ فِي الأَرْضِ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى،نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ]{البقرة:281**.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ نَظَر فِي كَثْرَةِ النُّصُوصِ النَّاهِيَةِ عَنِ البَغْيِّ، المُحَذِّرَةِ مِنْهُ، المُخْبِرَةِ بِتَعْجِيلِ عُقُوبَتِهِ، ثُمَّ تَأَمَّلَ عَاقِبَةَ أَهْلِ البَغْيِّ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ العُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ وَالذُّلِّ وَالهَوَانِ؛ خَافَ البَغْيَ، وَحَاسَبَ نَفْسَهُ، وَأَمْسَكَ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِيهِ بَغْيٌ عَلَى أَحَدٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-:«لَقَدْ عَرَفْتُ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُوصَمُونَ فِي نَسَبِهِمْ، مَا زَالَ بِهِمْ عَرَامُهُمْ وَبَغْيُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ حَتَّى أُلْحِقَ بِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَرُغِبَ عَنْهُمْ، وَاسْتُهْجِنُوا وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّاء».
وَكَانَ لِحَلِيمِ العَرَبِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ابْنًا، وَكَانَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْبَغْيِّ، وَيَقُولُ: «إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بَغَى قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا ذُلُّوا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِيهِ يَظْلِمُهُ بَعْضُ قَوْمِهِ فَيَنْهَى إِخْوَتَهُ أَنْ يَنْصُرُوهُ مَخَافَةَ الْبَغْيِّ».
إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْتَزِقُ بِالبَغْيِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتَسَلَّقُ عَلَى جُثَّتِهِ لِيَبْلُغَ مَنْزِلَةً يُرِيدُهَا، وَذَلِكَ بِالوِشَايَةِ فِيهِ، وَالكَذِبِ عَلَيْهِ، وَالطَّعْنِ فِيهِ، فَمَا أَفْدَحَ جُرْمَهَ! وَمَا أَعْظَمَ جِنَايَتَهُ! وَمَا أَسْرَعَ عُقُوبَتَهُ!! وَيَزْدَادُ قُبْحُ صَاحِبِهِ إِنِ اتَّخَذَ البَغْيَّ عَلَى غَيْرِه دِينًا يَدِينُ بِهِ، وَغَيْرَةً يُظْهِرُهَا عَلَى السُّنَّةِ وَالعَقِيدَةِ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، وَيَضُرُّ غَيْرَهُ، وَيَتَسَلَّقُ عَلَى إِخْوَانِهِ لِنَيْلِ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا مَظْنُونٍ، فَوَيْلٌ لَهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ.
لَقَدِ انْتَشَرَ البَغْيُ بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِسَبَبِ التَّنَافُسِ عَلَى الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا وَجَاهِهَا، وَفِي الشَّامِ وَاليَمَنِ صُوَرٌ مُبْكِيَةٌ، وَحَوَادِثُ مُفْزِعَةٌ مِنَ البَغْيِّ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاسْتِرْخَاصِ دِمَائِهِمْ، وَرَدْمِ العُرُوشِ المُتَهَاوِيَةِ بِجُثَثِهِمْ.
وَلَقَدْ جَمَعَ النِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ البَعْثِيُّ بَيْنَ نَوْعَيِ البَغْيِّ عَلَى النَّاسِ، فَسَامَهُمْ سُوءَ العَذَابِ خِلالَ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دِينِهِمْ، وَأَفْسَدَ عَلَيْهِمْ دُنْيَاهُمْ، حَتَّى غَدَتِ الشَّامُ مِنْ أَفْقَرِ بِلادِ الأَرْضِ وَهِيَ الغَنِيَّةُ بِثَرَوَاتِهَا وَمَوْقِعِهَا المُمَيَّزِ، وَخِلَالَ هَذَا الأُسْبُوعِ ازْدَادَ بَغْيُ هَذَا النِّظَامِ البَاطِنِيِّ الخَبِيثِ، فَأَوْغَلَ فِي قَتْلِ النَّاسِ، وَقَنْصِ الأَطْفَالِ، وَهَتْكِ الأَعْرَاضِ، وَتَعْذِيبِ الشَّبَابِ، وَدَكِّ البُيُوتِ عَلَى سُكَّانِهَا، وَهَذَا مُؤْذِنٌ بِعُقُوبَةٍ عَاجِلَةٍ تُصِيبُ أَزْلامَهُ كَمَا أَصَابَتْ مَنْ قَبْلَهُمْ فِي لِيبْيَا، وَتَشْفِي صُدُورَ المُؤْمِنِينَ فِي الشَّامِ وَفِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَمَا هِيَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ انْتِفَاضَةُ المَوْتِ لِحِزْبِ البَعْثِ لِيَسْقُطَ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ بِحَوْلِ اللهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.
اللَّهُمَّ يَا حِيُّ يَا قَيُّومُ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ إِخْوَانَنَا فِي الشَّامِ وَفِي اليَمَنِ، وَأَنْتَ خَيْرٌ حَافِظًا وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَصُنْ أَعْرَاضَهُمْ، وَسَكِّنْ رَوْعَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِالطُّغَاةِ البَاغِينَ المُسْتَبِدِّينَ، الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ زَلْزِلْ عُرُوشَهُمْ، وَاقْذِفِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ، وَأَحِلَّ بِهِمْ عُقُوبَةَ بَغْيِّهِمْ، فَأَنْتَ مَوْلانَا فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الغني رضا ; 09-12-2011 الساعة 11:56 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 10:52 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com