"القطة تأكل عشاءك"
كم كنت اسمعها وأنا صغيرة ، وافهم أنها وصف لمن لا يقدر الأمور بميزان صحيح..... وارى في عيون قائلها نظرة زجر وتنبيه وتوعية ،ودعوة إلى التبصر بعواقب الأمور...وتوخي الحذر!!
ولم افهم وقتها...ولعلي لم افهم لحد الآن... ما دخل القطط بالموضوع..؟؟
فالقطط مخلوقات لطيفة مثالية ، جميلة جدا، مخلصة وحنونة جدا،، تمرح وتلعب كالأطفال، تشاركني اللعب إذا كنت العب..وترافقني كالحارس المخلص أينما ذهبت.. وإذا جلست لأذاكر، تجلس بجانبي كالخادم الأمين........وتستمع لشكواي..وتكتم كل أسراري... وإذا أردت النوم ، تحتضنني بوبرها الجميل الدافئ في ليالي الشتاء.......وبخريرها اسمع أجمل القصص...
ولا يهمها العشاء ابدآ.....!!!!
فهي تأكل القليل وتقتنع بما أكلته، ولا تفكر بوجبات الطعام..، ولا تختار نوعياتها...!!
فهي ليست كالإنسان الذي لا يهمه إلا عشاؤه.........!!
هو من لا يعرف الشبع ابدآ..... وينظر دائما إلى ما يملكه من حوله...ويتحين الفرص للانقضاض والتهام فريسته.. سواء بأسنانه....أو.....بلسانه...!!!
ولا يعرف للصداقة معنى إلا إذا كانت ضمن مصالحه...بل ويتحين الفرص لينال من صديقه..ويفشي أسراره...اذا كان هذا سيعود عليه بمصلحة .!
ان الانانية والنرجسية والجشع ...... تترتب عليها تحولات تدميرية في تفكير الشخص الذي يتسم بهذه الصفات ، لانه ببساطة لم يصل في تطوره الى احداث (منظومة قيم عليا) تتربع على قمتها الكرامة الانسانية، بل هو يخضع لقوانين الميكانيكية وفي مقدمتها التفرد بالتملك.
فمن نواقض الانسانية ان يغير الشخص اراءه ومواقفه ،طمعا في ان يكسب المال والمنفعة الدنيوية على اختلاف اشكالها ........وهذا اول ثمرة خبيثة من ثمار الانانية ، وهو النفاق والتلون.
ندرك ابعاد هذا النفاق ، خصوصاً بعده القيمي، لأن الاناني والانتهازي مخلوق له عقل يفكر وفق المنطق الجدلي ، ومن ثم فأنه يعرف تماماً انه يقوم بهذا الدور ليس عن قناعة وانما عن مصلحة ، وان هذه المصلحة غالباً متوافقة مع تطلعاته ، مثل تحسين وضعه المادي، او رغبته في تجميع المال بصورة وطريقة تجعل منه يملك اكثر من حاجته بكثير،
وهنا تبدأ الانانية البشعة بالظهور والتحكم في سلوكه وتفكيره.
ان الرغبة بالتملك واقترانها بالانانية والجشع عند البعض ، دفعتهم الى السعي وراء حيازات مادية والاستيلاء عليها وسلبها من آخرين.
فتجاوزوا حدود حق البقاء في صراع الغاب ، فالحيوانات تقتل ، وتقتل (بضم التاء ) كضرورة بيولوجية ، للحصول على الغذاء والماء وللدفاع عن نفسها،
فليست لديها ( مشاريع الرفاهية ) على الاطلاق !!
لذا ، فهي تسكن وتهدأ حينما تحس بالشبع والامان .
انما (الانانية) حين تكون موجودة لدى ( الانسان ) ، تعد مفهوماً اقترن بتمحور العقل وانجابه لشرور الرفاهية ، اذا عرفنا الانانية بانها الرغبة في الاستيلاء على حق الغير والحاق الاذى والظلم بهم.
لان الانانية لا تكتفي بالحصول على الطعام بل تسعى (لتنظيف) المحيط من الآخر، بطرده او ابادته لضمان الاستفراد .
يبدو لنا ان هؤلاء الانانيون الى الان لم يعرفوا بعد حقيقة ديننا ، الذي تعلمنا منه على مدى عمره الطويل، وافكاره السخية ، وتعاليمه السمحة ، كل ماهو رحمة وغفران ومحبة وتوادد وايثار وعفو وكراهية للكراهية ونبذ للقتل ومجانبة للجشع والخداع والغش.
وعلى هذه الاسس بالذات، ولمعالجة تلك الادواء المزمنة الدائمة يقيم الاسلام نظامه المعتمد على العدالة الاجتماعية،والسلام العادل، ومكافحة الظلم والعدوان، والعلاقات بين الجنسين، والعلاقات بين كل أفراد المجتمع، وبين المجتمع والمجتمعات الاخرى ،
ويركز على تزكية النفس والعلاقة الداخلية بين الانسان وربّه ، والرضا والاقتناع بما قسم الله وقدر ورزق واعطى ، والزهد في الدنيا الفانية ، وتوجيه الاهتمام للآخرة الباقية.
والمؤمن الحق .........نظيف من ادران الحقد والقسوة والانانية والوحشية.
والاسلام دين الانسانية والاعتدال والتعقّل والتسليم أمام إرادة ربّ العالمين،
لذلك قدّم الدواء لهذه الأدواء الانسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الافراط ولا التفريط،
ودعا الانسان الى الذكر والتضرّع والارتباط الداخلي برب العالمين، وعلّمه وأوصاه أن يكافح الشرور والعدوان والظلم والفساد، وأن يواجه باستمرار مافي نفسه من جموح الذات والانانية واستفحال الاهواء.
قال تعالى :
(قد جاءكم من اللّه نورٌ وكتابٌ مبين. يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام ويُخرجُهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم).
فالاناني الجشع .......فقد انسانيته لانه يظن ان من حقه ليس العيش الرغيد فقط بل ايضا له الحق في ان يمتلك ما يخص الاخرين .
فيصبح كاسراً لا يضاهيه في القسوة والانانية مخلوق اخر.
واذا لم يستطع الحاق الاذي فعليا بغيره .... ملأت الاحقاد نفسه ، وتلوثت بالحسد روحه ، وأحب موت من يكن له الحسد والحقد ، أو زوال النعمة عنه ،
وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ، ورذالة في الطبع . والسير في طريق يقوده فيه الشيطان ، فينهتك حجاب المجاملة، وتظهر العداوة بالمكاشفة .
هل عرفتم الآن الى أين تقود الانانية......؟؟؟
أما القطة المسكينة......فلتأكل عشاءي.... إذا كانت جائعة فهي تستحق......!!
لتأكل القطة عشائي.............................
وصحتين........وعافية........