الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،، ثم أما بعد ،،،
بخصوص سؤالك أختي الكريمة ( أم صلاح الدين ) حول موضوع التعامل مع عناد الأبناء وطول اللسان ، وفي حقيقة الأمر فإن أساس هذه المشكلة ينبع من عدم تربية الأبناء التربية الإسلامية الواجبة في حقهم ، أو خلل في تلك التربية ، فكثير من المجتمعات الإسلامية في العصر الذي نعيش فيه لا تملك من الإسلام إلا اسمه ، وهذه معضلة كبيرة تواجهها تلك المجتمعات فيتربى أبناؤها على المعتقدات والأفكار الغربية وبالتالي تنشأ لنا أجيال متميعة من الصعوبة بمكان قيادتها بالعقيدة والمنهج الإسلامي 0
وفي بعض الدول التي تحافظ على جزء من معتقداتها الإسلامية نشعر أن هناك خلل في التعامل مع الأبناء ، وهناك شرخ كبير بين الآباء والأبناء ، وهذا بحد ذاته يحتاج لوقفة وإعادة نظر ، وعلى كل حال قرأت كلاماً جميلاً للدكتور عادل بن رشاد غنيم الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية جامعة الملك فيصل حول موضوع ( العصيان ) وهو مقارب لموضوعنا الذي سألت عنه الأخت المكرمة ( أم صلاح الدين ) ، فوجدت ما كتب الشيخ الفاضل حلاً للمشكلة من أساسها وأنقل لكم ذلك :
يقول الدكتور عادل : ( إننا نقدّر قيمة النظام والطاعة في نجاح الإنسان في تنفيذ مهامه بالطريقة الصحيحة في الوقت المناسب وحماية الوقت والجهد من الهدر ومن خلال النظام يصل الإنسان إلى ضبط النفس والإمساك بزمامها وبناء المبادئ التي تقيم الأخلاق الشخصية والاجتماعية .
ولا ينبغي اعتبار الطاعة غاية في نفسها لأن الخضوع الخالص لسيطرة الآباء قد يكون موقفا ضارا بالطفل في مستقبل حياته فقد تنحط الطاعة سريعا حتى تصبح خنوعا أو رغبة في السير وفقا لرغبات أي شخص قوي الإرادة أو وفقا لأهوائه فالطاعة وسيلة لغاية هذه الغاية هي ضبط النفس والإمساك بزمامها 0 إن الطاعة المطلقة ليست إلا لله ورسوله أما سوى ذلك فطاعته في حدود المعروف،وإذا تطلب الآباء من أطفالهم طاعة مطلقة أدى بهم هذا إلى استخدام الشدة والعنف حتى لقد يفقد الآباء تلك الأحاسيس الرقيقة التي ينبغي أن تسود علاقة الآباء بالأبناء ونوصي باستخدام الإجراءات التالية التي تساعدك في تعويد طفلك على النظام والطاعة في الإطار الذي أشرنا إليه, والحديث موجه للوالدين :
1_ علما ولدكما القواعد التي تنظم نشاطه اليومي 0
من خلال ملاحظة سلوك طفلك اليومي يمكن أن تقدما له الطريقة الصحيحة لممارسة نشاطه المعتاد 0
على سبيل المثال _ تابعا الطريقة التي يأكل بها طفلك وقدما له الأسلوب المقبول لتناول الطعام 0
عن عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنهما – قال : ( كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة, فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك ) ( متفق عليه ) 0
لا تفرضا في ولدكما أنه بعرف القواعد المنظمة في للحياة من تلقاء نفسه ويحتاج إلى تعليم, وكذلك يحتاج إلى تذكير, فكثيرا ما ينسى الطفل ما نبه إليه في المرحلة الأولى لذلك لابد من التذكير والمتابعة 0
2_ عززا الاستجابة بالثناء على الطفل في كل مرة يطيع ما أمر به.
مثال : يمكن عمل لوحة بر الوالدين التي تسجل مبادرات أو استجابات (المساعدة المنزلية) التي يقوم بها الأولاد 0
وهذا تحقيقا لمبدأ يقرر الحديث : عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء ) ( أخرجه الترمذي في سننه – كتاب " البر والصلة " – برقم 2035 ، وحسنه ) 0
وفي الطبراني عن الحكم بن عمير مرفوعاً : ( من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له ) ( صحيح الجامع 5937 ) 0
3_ أوقعا القصاص على العصيان :
علما الطفل أن كل رفض لما تطلبانه منه سيؤدي إلى عواقب سلبية 0 وعلى الأم أن تمارس ذلك بنفسها دون اللجوء كل مرة إلى الأب مثال للعواقب السلبية : ( حسم من مصروف – حرمان من التمتع ببعض الامتيازات ) 0
4- اسعيا إلى دعم علاقتكما بالطفل :
العلاقة الحميمة تدفع الطفل الى ان يكون أكثر ميلا لطاعتكما برضا نفس 0
بعد رحلة شاطئ ممتعة قال الطفل العنيد لأمخ : ( من الآن فصاعداً سوف أفعل كل ما تطلبينه مني ) 0
وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ( يا معاذ إني لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) ( صحيح الجامع 7969 ) 0
5- عقد الاتفاقية ( العقد ) :
( أبرما عقدا مستفيدين مما ذكر في الفصل الخامس والمثال الموجود بآخره ).
6- قدما للطفل توجيهات محددة :
تجنبا الغموض وكونا محددين في ما تريدانه للطفل أن يقوم به 0
بدلا أن تقولا : لا أريد هذه الفوضى في غرفتك 0
قولا : اجمع كتبك وأدواتك على المكتب ونظف غرفتك من المهملات 0
7- تجنبا روح التسلط :
ينبغي السمح للطفل بحرية الاختيار فيما يتعلق ببعض شؤونه الخاصة حتى لا نسحق رغبة الطفل في الاستقلالية والتفكير في الأمور العادية التي لا ضرر منها 0
* طرق الوقاية :
1- قويا علاقة وثيقة مع طفلكما 0
القاعدة التربوية تؤكد أنه كلما زاد الحب لطفلك كان تقبله للتوجيه أفضل 0
2-كونا مستجيبين 0
استجاباتكما لطلبات الطفل المعقولة تساعد على أن يستجيب لتعليماتكما .
3- لا تكونا متسلطينDon't Be a Dictator
لا تصدرا أوامر وقدما مقترحا أو طلبا ، واسمحا بإبداء الرأي عندما يكون الأطفال في لعبة ما ، وفرا مهلة دقائق لإنهاء اللعبة ، تقبلا بعض مشاعر النفور من المهمة فهي ليست رفضا 0
4 _ كونا قدوة Set The Example
أظهرا التزامكما بالقواعد التي توصيان طفلكما باتباعها : هذا يدعم التعليم ، ويحفر الولد إلى احترام القواعد والتزامها .. مثال : آداب السلام ، إذا دخلت إلى بيتك دون أن تلقي على أهل بيتك السلام فكيف يتعلم طفلك مبدأ السلام عند لقاء الناس 0
5 _ راعيا أسلوب الطلب Watch Your Manner
_ كونا محددين 0
_ أذكرا السبب ولا تكونا المستفيدين دوما من هذا الطلب 0
_ راعيا الفروق الفردية 0
فليس كل أطفالكما يستطيعون القيام بنفس المهمة في كل الأحيان 0
_ تحليا بالهدوء عندما تعطيان تعليماتكما 0
6_ أعطيا خيارات 0
سوف يزيد ذلك التخيير من قدرة الطفل على اتخاذ القرار ويقلل من تمرده, لاحظ هذا الموقف :
عن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم: على كل مسلم صدقة 0
قالوا : فإن لم يجد ؟
قال : فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق 0
قالوا : فإن لم يستطع أو لم يفعل ؟
قال : فيعين ذا الحاجة الملهوف 0
قالوا : فإن لم يفعل ؟
قال: فيأمر بالخير أو قال بالمعروف 0
قالوا : فإن لم يفعل ؟
قال : فيمسك عن الشر فإنه له صدقة ) ( أخرجه البخاري في الأدب – برقم 6022 ) 0
7 _ تجنب أن تقوم بدور الشرطي في بيتك 0
ما أكثر ما تقول الأم مثلاً : لا أستطيع شيئا تجاه ولدي, لكن يكفي لذلك نظرة واحدة من أبيه, يدل كلامها على أن الذي يدفع الطفل إلى الطاعة وحسن السلوك هو الخوف وحده, والخوف من أبيه. فهو لا هتم بالآخرين في مدح أو ذم 000 مثل هذا الطفل يواجه في الغالب مستقبلا مفعما بالمصاعب في حياته مع الناس 0
كيف يمكن تعويد أطفالنا على الطاعة بالأسلوب الذي يمكنهم من احترام النظام والقيم الأخلاقية دون أن نلجئ فقط إلى أسلوب التخويف والعقاب الصارم ؟
8 _ حاولا توحيد نظام التعامل بينكما فاختلاف النظام بين الوالدين يحدث اضطرابا مماثلا في عقل الطفل, وسرعان ما ينجح في استغلاله لصالحه , وبعض الآباء يلاحظ اختلافا صارخا في الأسلوب الصحيح أو أخطاء بارزة لدى الأم , أو العكس وعند ذاك يلجئ إلى اللوم والتقريع وتحميل الأخطاء للطرف الآخر 0 الأجدى هو جلسة هادئة للاتفاق على أسلوب متجانس, مع التسامح في الأخطاء العفوية.
9 _ لا تفعلا للطفل شيئا يستطيع عمله بنفسه 0
هذه القاعدة الذهبية في التربية تساعدك على تنمية روح المسؤولية لدى أطفالك وقد سبق بها الإسلام في توجيهه للفرد المسلم 0
كانت من بنود البيعة بعد الإيمان وصلاة الإعتماد على النفس 000
روى عوف بن مالك الأشجعي قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله 0 وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله 0 ثم قال : ألا تبايعون رسول الله 0 فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله 0 ثم قال : ألا تبايعون رسول الله 0 قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله , فعلا ما نبايعك ؟ قال : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , والصلوات الخمس , وتطيعوا , " وأسر كلمة خفية " : ولا تسألوا الناس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سقوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الزكاة – برقم 1043 ) 0
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخفض صوته بهذه النصيحة ليشتد إنصات المستمع له 00 وليميز النصيحة عن غيرها بأداء صوت مميز : " ولا تسألوا الناس شيئا " 0
ما موقفنا إزاء هذا التوجيه الإسلامي والتربوي ؟
بعض الآباء يبالغون في مساعدتهم لأطفالهم حتى لا يتركوا له أي فرصة للاعتماد على نفسه
مما يفوت عليه أن يتعود الاستقلال وتحمل مسؤولية الشيء 0 وعندما يكبر هؤلاء الأطفال قليلا ، يكتشف الآباء أنهم بالفعل غير قادرين على القيام بشيء دون مساعدة من الآخرين 0 هؤلاء الأطفال رغم آلاف الأوامر من قبل الآباء والمدرسين من باب نظف نفسك 0 حافظ على كتبك ، لا تصادق فلان 0000 ومع ذلك فأخطاؤهم مستمرة 0
والسبب أن الآباء لم تكن البداية في تربية الطفل على الاستقلال في وقت مبكر مما يجعل إصلاحهم بدرجة كبيرة من الصعوبة :
مثال : الأب أو الأم التي تحل واجبات طفلها أو تقف على رأسه في كل حرف أو رقم من الصعب أن توفر لولدها أي قدر من الاستقلالية والشعور بالمسؤولية ، إنه يصبح مقتنعا بأنه ليس أهلا للمسؤولية ، وأن أمه أو أباه أو أي إنسان آخر سواه قادر على حمل أعبائه 00 وهنا الخطر 0
إن الوالدين لو قاما بتربية أبنائهم على الإيمان بالله والاستقامة في العمل،وقام الأبناء بأداء واجباتهم بوازع إحساسهم بمسؤوليتهم سيكون أي الآباء والأبناء مشمولين لرحمة الله تعالى ويُلحقهم الله بدرجتهم وهذا ما أكده القرآن الكريم حيث قال : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) " سورة الطور – الآية 21 " ) ( خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك – 128 ، 134 ) 0
سائلاً المولى عز وجل أن يهدي أولادنا وأن يحفظهم بحفظه وأن ينير طريقهم في الدنيا والآخرة 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0