الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،
الأخت الكريمة ( fifi ) بخصوص سؤالُكِ حول كيفية الوقاية والعلاج من السحر ، فهذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل طويل ، ولكني سوف أحاول أن اختصر لكِ قدر المستطاع ، فاعلمي رعاكِ الله أن الوقاية والعلاج يكون بالأمور التالية :
1- الرقى والتعاويذ : إن الرقى والتعاويذ من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أعظم ما يزيل السحر بعد وقوعه بإذن الله تعالى ، وبخاصة الفاتحة ، وقراءة سورة البقرة ، وأول سورة البقرة وآخرها ، وآية الكرسي ، وأول سورة آل عمران والمعوذتين والإخلاص ، وكذلك فالأدعية النبوية المأثورة في الوقاية والعلاج لا تعد ولا تحصى 0
2 – قيام الليل : ومن أنفع وأنجع الوسائل لإزالة السحر هو قيام الليل واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالتضرع والإنابة لرفع المعاناة والألم ، خاصة في الثلث الأخير من الليل ، كما ثبت من حديث أبو سعيد وأبو هريرة - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى : يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى سماء الدنيا فنادى : هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ هل من سائل ؟ هل من داع ؟ حتى ينفجر الفجر ) ( صحيح الجامع 1918 ) 0
يقول الشبلي – رحمه الله - : ( الوضوء والصلاة وهما من أعظم ما يتحرز به من الجن ويستدفع شرهم ) ( أحكام الجن – 131 ) 0
3- معرفة مكان السحر واستخراجه : وهذه أفضل وأنجع وأسرع وسيلة لفك السحر ، كما ثبت من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة ! أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ جاءني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب – أي مسحور - ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف ، قال طلعتي ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال في بئر ذروان ، يا عائشة ! والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ) ( متفق عليه ) ، وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين -رضي الله عنها- بأسانيد مختلفة 0
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - : ( استخراج السحر وتبطيله هو أبلغ علاج كما صح عنه e أنه سأل ربه سبحانه وتعالى في ذلك فدله عليه فاستخرجه من بئر فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ، فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال 00
فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب " المسحور " وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة من الجسد ) ( زاد المعاد – 3 / 104 ) 0
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - : ( ومن علاج السحر أيضا - وهو من أنفع علاجه - بذل الجهد في معرفة موضع السحر من أرض أو جبل أو غير ذلك فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر ) ( فتوى رقم 8016 ، تاريخ 22/1/1405 هـ ) 0
ومن الوسائل المشروعة لاستخراج السحر وإبطاله :-
1)- التوجه الخالص لله سبحانه وتعالى ودعائه لتفريج الكربة وإزالة الغمة
2)- معرفة مكان السحر عن طريق الجن والشياطين : مع الإشارة لنقطة هامة جدا وهي أن يكون المعالِج على قدر كافي من العلم الشرعي والخبرة والتجربة والفراسة التي تؤهله لمعرفة صدق أو كذب الجني الصارع ، وأن يكون السؤال بقصد الاختبار والامتحان لا أن يكون بقصد التصديق والإقرار دون الدخول في أية مناقشات لا فائدة منها البتة ولا يتحقق من ورائها أي مصلحة شرعية ، وقد أشرت إلى ذلك الموضوع بالتفصيل في كتابي ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) ( المنهج الشرعي في علاج الصرع ) تحت عنوان " حوار الجن والشياطين " 0
3 - الاستخدامات المباحة : ومن الاستخدامات المباحة في علاج السحر :
أ )- الاستحمام بالماء : ومما جاء في علاج السحر ما ذكره ابن كثير في تفسيره حيث قال ابن أبي سليم : ( بلغني أن هذه الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور 0
والآيات هي :
** فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ** ( يونس 79 ، 82 ) 0
** فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا ءامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ** ( الأعراف – 103 – 122 ) 0
** وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ** ( طه 65 – 69 ) ) ( تفسير القرآن العظيم - 2 / 428 ) 0
وهناك فتوى للعلامة الشيخ عببدالعزيز بن عبدالله بن باز بنحو ذلك 0
ولا بأس بعد قراءة ما ذكر في الماء أن يشرب منه بعض الشيء ويغتسل بالباقي ، وبذلك يزول الداء بإذن الله تعالى 0
ب )- تمر عجوة المدينة : للوقاية من السحر يستخدم سبع عجوات أو تمرات من تمر المدينة ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، فعن عامر بن سعد عن أبيه – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ) وقال غيره " سبع تمرات " ) ( متفق عليه ) 0
ج)- استخدام السدر : قال الحافظ بن حجر في الفتح وذكر ابن بطال أن في كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر ، فيدقه بين حجرين ، ثم يضربه بالماء ، ويقرأ آية الكرسي والقواقل ، ثم يحسو منه ثلاث حسيات ، ثم يغتسل به ، فإنه يذهب عنه كل ما به ، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله ) ( فتح الباري – 10 / 233 ) 0
قال اللالكائي : ( سمع امرأة تسأل عائشة هل علي جناح أن أزم جملي ؟ قالت : لا 0 قالت : يا أم المؤمنين إنها تعني زوجها قالت : ردوها علي فقالت : ملحة ملحة في النار اغسلوا على أثرها بالماء والسدر ) ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة – 7 / 1288 ) د) - الحجامة : قال ابن القيم – رحمه الله - في سياق ذكر طرق علاج السحر : ( واستعمال الحجامة في ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة إذا استعملت على القانون الذي ينبغي ) ( زاد المعاد – 4 / 126 ) 0
هـ)- الاستفراغ : قال ابن القيم - رحمه الله - : ( الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر ، فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة ، وهيجان أخلاطها ، وتشويش مزاجها ، فإذا ظهر أثره في عضو ، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو ، نفع جدا 0 انتهى ) ( الطب النبوي – ص 125 ) 0
ولذلك تستخدم الحجامة لاستئصال مادة السحر إن توصلت للرأس بواسطة الطرد ، وأما إن استقرت المادة في المعدة وهذا غالبا ما قد يحصل ، فيكون بالاستفراغ إما عن طريق الفم أو الشرج ، وهناك بعض الملينات التي يمكن استخدامها كمسهل للأمعاء ، ومن هذه المسهلات زيت الخروع ، أو السنا المكي 0
هذا ما تيسر لي أختي الفاضلة ، وبالإمكان أن تعودي إلى كتابي ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) فقد بحثت مسألة العلاج التفصيلي للسحر قبل وبعد وقوعه ، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني