يعد هذا الموضوع من أكثر الموضوعات طرحا في هذه الايام ، لما طرأ على حياة المسلمين من تغير نتيجة الغزو الفكري الذي نعايشه ،
حتى غدا هذا الامر مشكلا عند غالبية الناس ، يكثرون من الاستفسار عنه ، مع تقبل عجيب منهم للافكار المستوردة فيه واستغراب لتفصيل الاسلام له ،
مع انه في غابر الزمان كان هذا الامر بدهي للناس ، ولا يحتاج الى سؤال وجواب ، لتسليم الناس لاحكام دينهم واعتقادهم ، وايمانهم الشديد بصدقها وصحتها .
ان حكمة الله جل جلاله ، اقتضت خلق الارض وارادة اعمارها ، بجعل بني الانسان الخليفة فيها، كل منهم يخلف من قبله في القيام هذا الواجب :
قال جل جلاله : ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) البقرة : 30
( ثم جعلناكم خلائف في الارض ) يونس : 14
(هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه ) هود : 61
ولا يمكن حصول هذا الاستخلاف والاستعمار لها ، الا بديمومة الجنس البشري عليها ، وهو مكون كباقي الاجناس من ذكر وانثى ، ولا يحصل التكاثر والتناسل بينهما الا بالالتقاء ، ... الذي به يرتبط وجود الانسان وتحقيق الخلافة
وقد قرر الله عز وجل حقيقة هذه العلاقة بين الجنسين في مواطن عديدة في القرآن الكريم :
فالسكن والاستقرار والراحة يكون بالتقاء الجنسين .
قال تعالى : ( ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم :21
ان من اعظم ما تميزت به هذه الشريعة الربانية ، المنسجمة مع الفطرة البشرية ، انها نظمت العلاقة ما بين هذين الطرفين، لان في تركهما على هواهما بلا حدود ولا قيود ، ما لا تحمد عقباه وتحقق الظلم على البشرية جمعاء .
اذ ان هذا التناسل والتكاثر يحتاج الى العناية والاهتمام ، ولا يكون ذلك حقيقة الا بوجود اب وام ينعم بالحياة بينهما ، حتى تتكامل حاجاته النفسية والعاطفية والجسدية والتربوية مع بعضها البعض ، فإن من أسمى معاني الحياة لاي فرد هو وجود أسرة واهل له.
ولهذا شرع الاسلام الزواج كوسيلة وحيدة لاجتماع هذين الجنسين.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه اغض للبصر واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) صحيح مسلم
ومن صور حرص تشريعات الاسلام على المحافظة على المجتمع ان يكون طاهرا ، نقيا ، بعيدا عن كل أسباب الفساد ..... بأنه :
أباح الزواج مبكرا ،
واباح التعدد قال تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) النساء : 3
وأمر الاسلام بغض البصر بينهما :
قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ) النور : 30
قال تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ) النور 31
وامر المرأة بالحجاب والاحتشام شكلا و سلوكا وقولا ، وحرم عليها ابداء زينتها لغير المحارم ونهاها عن التبرج .
قال تعالى :
( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ) الاحزاب : 33
( ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او آبائهن )
(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) النور 31
وبعد هذه الحقائق كلها ، نستطيع الدخول في مناقشة (تكوين علاقة بين الجنسين قبل الزواج )
يقولون :
ينبغي لكل من يتزوجا ، ان يكونا متحابين ، ويقوم كل طرف منهما بدراسة الاخر ، فيرى هل يناسبه في طبائعه واحواله وصفاته ، ام لا ،
لانهما ان لم تكن بينهما جسور قوية من المحبة والانسجام والتوافق في الطبائع والصفات ، كيف يمكن لهما ان يتعايشا طوال عمرهما مع بعضهما البعض ؟
فإننا ان اردنا اسرا متماسكة تنعم بالسعادة والهناء ، فلا بد من ذلك ؟
ان هذا الكلام في ظاهره براق وله قبول ، ولكن اذا دققنا النظر فيه وجدنا مسامحات لا تغتفر ومجانبة للحق والصواب :
فمعنى (متحابين ) هو وجود اشتياق وميل وانس واعجاب ، وهذه الامور متوفرة بين الجنسين بطبيعة فطرتهما ، قد تكون هذه الامور متفاوتة الا انها موجودة بصورة عامة بين الجنسين ......
فالتصريح بهذا الميل بحجة ( دراسة الطرف لآخر ) ، هو سير في طرق محظورة ووهم وخيال ينبغي الابتعاد عنه ، ففي اباحته تعريض لانتهاك اعراض الناس، فكثير من الناس قد يستغلونه في تحقيق شهواتهم الشخصية ، ويدرك حقيقة هذا الامر من يتابع الواقع الذي نعيشه .
اذن لا فائدة حقيقية من التصريح به لانه يفترض ان ينتهي بالزواج ، والزواج ما زال في علم الغيب لعدم حدوثه ، وعدم معرفة نصيب كل منهما ، فلا احد يعلم هذه الاقدار الاتية لهما ، فلو قلنا جدلا انه لو اخبرها فإنها ستنتظره ، فالاولى بدل هذا الاخبار ان يتقدم لخطبتها ان كان صادقا ، فيكون عندها الانتظار شرعيا ..
ثم ان هذه العلاقة مهما فتحت وطورت ، فإنها لا تبين حقيقة كل من الطرفين للآخر ، حتى ولو كانت بينهما خطوبة ، لان كل طرف يسعى لاظهار افضل واجمل ما عنده للآخر ... وهذا لا يصور طبيعة كل منهما الحقيقية في اغلب الاحيان
والحياة الزوجية السعيدة لراغبها احوج ما تكون للدين كما ارشد المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم : (ان المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك ) صحيح مسلم .
ومن تأمل في حياة آبائنا ، وجد انها امتع واهنأ واوفق بكثير من حياتنا بشكل عام، ولم تكن هذه الافكار الغريبة منتشرة كما هي منتشرة الان ، والزواج كان يتم بلا علاقة مسبقة ، فالعلاقة تبنى بعد الزواج على اسس الاحترام والتقدير والمسؤولية ، حتى ان الطلاق كان اقل مما هو اليوم . ( اقول بشكل عام )
فعلى الرغم من هذه العلاقة المفتوحة بين الرجال والنساء في زماننا ... الا ان الطلاق علامة فشل هذا الزواج وقلة السعادة فيه ..... والطلاق منتشر كثيرا هذه الايام .
وهنا يتضح لنا شرعا وعقلا عدم جواز فتح علاقة بين الجنسين بدون رابطة شرعية .....