السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا جرم فإن ألفاظ الطلاق من أكثر الأشياء وعورة في كيفية حقيقة فهم السؤال أو الاشكال المطروح فبينما يكون السؤال من شخص ما يقول:
لا أدري هل قلت: طالق ثلاثا بكلمة واحدة أو أنني، قلت: طالق طالق طالق.
ويأتي آخر فيقول حلفت بالطلاق أن يأكل ضيفي ذبيحتي فلست أدري إلا أن النية ليست طلاقا.
وآخر يقول: قلت للزوجة أنت طالق إن خرجت من البيت الى جهة معينة ويحددها.
وآخر يقول طلقتها وهي حامل.
وآخر يقول طلقتها وهي حائض.
ويسيل وادي الأسئلة، من هنا وهناك ولا تكاد تدري ما تقول خاصة اذا كان السائل هو نفسه لا يدري بما تلفظ، إما لغضب أو طول عهد أو نسيان، أو تساهل، وهذا قليل جدا بالقياس الى غيره.
ولاشك أن غياب التقوى أو ضعفها والحرارة المبطنة بالانتصار للنفس والجهل بعواقب الأمور كل هذا لعله يكون: دافعا للتلفظ بالطلاق، وإذا صاحب هذا كله غياب: العقل حال: التلفظ لم يستطع المرء أن يملك نفسه وإلا فإن العبرة تحصل كثيرا بما يسببه الطلاق من آثار سيئة إذا لم تدع الحاجة الشرعية إليه.
فأهيب بكافة المسلمين أن ينظروا أساس النيات ومقاصد الأقوال والأعمال فإن من جعل نيته صالحة خالصة في كل أموره فيوشك بإذن الله تعالى أن يفلح ويحصل له خير كثير.
من أجل ذلك أحببت أن أبين بعض حالات مهمة تتعلق بألفاظ الطلاق وسواه حتى تتضح أمور كثيرة يكونون فيها على بينة من أمرهم.
فمن ذلك:
أولا: أن الطلاق ليس أصلا فوجب تركه إلا لموجب شرعي بيِّن.
ثانيا: أن الطلاق عند الضرورة الشرعية اليه لابد أن يكون في حال: المرأة في طهر لم يجامعها زوجها فيه.
ثالثا: ألا يقع الطلاق حال: الحيض.
رابعا: ومثله يحرم الطلاق بالثلاث.
خامسا: لا يجوز التلاعب بألفاظ الطلاق وجعلها فاكهة يتلفظ: جدا أو هزلا إلا كما ذكرت في رقم 2 .
وحقيقة لفظه هكذا طالق ويكون في حال الزوجة طاهرة لم يجامعها زوجها فيه قال تعالىإذا طلقتم النساء فطلوقهن لعدتهن) بمعنى أنه إذا طلقها الزوج تكون طاهرة لم يتم فيه معها غشيان.
وهنا إذا أراد مراجعتها فله ذلك ما دامت في عدتها، فاذا انقضت العدة فيكون الزوج بعد ذلك خاطبا من الخطاب.
وفي حال الطلاق الرجعي فإنها لا تخرج من بيت زوجها بل تبقى فيه فإذا انتهت العدة خرجت الى بيت وليها.
والحكمة من بقائها لعل الزوج يعاودها وهي تنظر مالها وما عليها وقبل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى أمر ببقائها ما دام الطلاق رجعيا بقوله سبحانه (ولا يخرجن) (ولا يخرجَّن).
فإن هي خرجت الى بيت أهلها حال هذا الطلاق وأراد الزوج مراجعتها فله ذلك، ولا يحق لوليها منعها أبدا إلا في حال موجب شرعي واضح.
سادسا: يقع الطلاق من: الزوج المكلف فمن أُغمي عليه أو تلفظ به وهو: نائم، أو أُكره عليه ممن يقدر على الاكراه فلا يقع.
سابعا: يقع بلفظه الصريح كما سلف طالق ، ويقع بالكناية الدالة عليه مثل أنت مبانة بضم الميم أنت مبتوتة أنت يمكنك الخروج من البيت وما شابه ذلك بشرط ان يقصد بذلك حقيقة الطلاق.
لأن القصد أصل في ألفاظ الكنايات سواء كانت هذه الكنايات ظاهرة أو كانت خفية فإن موجبها حاصل باقترانه نية الطلاق .
ثامنا: من غضب جدا لكنه لم يزل في وعيه فقال لزوجته أنت كظهر أمي أو زوجة أبي أو عمتي ونوى به الطلاق فهذا اللفظ لا يعتبر كناية يكون لفظه على ما نواه لكنه يكون ظهارا واضحا خلافا لمن ذهب لسواه ولم أدر دليلهم، لكن الذي ظهر لي أنه ليس طلاقا بل هو ظهار تقع بسببه كفارته.
تاسعا: إن وكل زوجته البالغة العاقلة المميزة طلاق نفسها فله ذلك، ويقع الطلاق حسب مراد الزوج: رجعيا أو بائنا.
لكن مثل هذا لا أراه لأنه ترك للأصل لأن الطلاق بيد الزوج.
عاشرا: من قال لزوجته ان خرجت أو ذهبت وعين جهة معينة ان قال لها: ان خرجت فأنت طالق، وقصد منعها ولم ينو الطلاق وهو في حال: جهل فتكون يمين تلزمه كفارتها.
وان قال لها ان خرجت فأنت طالق وهو يدرك حقيقة دلالة الألفاظ فيكون طلاقا بحسبه.
الحادي عشر: اذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا وقصد حقيقة الثلاث فثلاث طلقات.
وان قالها: جاهلا يظنها واحدة فواحدة لأن الجهل يعذر بسببه صاحبه وضابطه التقوى .
وان قال لها: طالق طالق طالق فثلاث مالم يكن جاهلا فمثل الأول وتكون الثانية والثالثة تأكيدا للأولى.
الثاني عشر: لا يقع الطلاق على المخطوبة التي لم يتم العقد عليها لأنها ليست زوجة بعد.
ومن هذا فلا يجوز الجلوس معها ولا الخلو بها حتى يتم كتابة العقد فتكون زوجة حينئذ.
الثالث عشر: ان حلف بالطلاق المنزل منزلة اليمين كقول الزوج عليَّ الطلاق لا أذهب الى مكان كذا مثلا، فهذا حلف لا يجوز.
لكن إن نوى حقيقة الطلاق فيقع والا فتكون يمين يلزمه بها كفارة اليمين.
وواجب المسلم العاقل تجنب مثل هذا والابتعاد عنه ما أمكنه ذلك.
الرابع عشر: من تردد في نفسه بين حالتين هل: طلق أو لم يطلق، وأقلقه هذا ولم يعرف من نفسه ضعف فهم فلا يقع الطلاق بمجرد هذا: الشك لأن الأصل بقاء عقد الزوجية فلا يزيله مجرد الشك فقط، لكن ان يتيقن فلا اشكال في هذا.
الخامس عشر: اذا طلق الزوج زوجته طلاقا بائنا بينونة كبرى حُرمت عليه ولا يجوز التساهل في هذا ولا تصح له إلا بعد زوج آخر بزواج صحيح، ويكون الثاني قل تمكن منها.
وضابط هذا ألا يكون هناك اتفاق ولو بالتعريض على تحليلها للأول .
السادس عشر: من شك في عدد ألفاظ الطلاق ولم يتبين له شيء منها واجتهد في هذا فتكون طلقة واحدة لأنه هنا شك في الألفاظ العددية فتكون واحدة ولم يشك في ذات الطلاق.
السابع عشر: الكتابة الواضحة ومكالمة الهاتف الصريحة من الزوج يكون على ما أراد من الطلاق ولا يجوز التساهل في هذا أبدا.
كما أنني أحذر من المداعبة بين الزوجين على سبيل البراءة فيتلفظ الزوج بالطلاق.
الثامن عشر: لا يجوز لوالد الزوج أو والدته اجباره على الطلاق بمجرد الكراهة، فهذا فيه: ظلم وسوء خلق.
التاسع عشر: يحرم كل كلام القصد منه ويقصد به افساد أحد الزوجين على الآخر فهذه كبيرة من كبائر الذنوب.
العشرون: يحرم على الزوجة طلب الطلاق دون وجه شرعي بيّن كما يحرم عليها الكذب ليكون وسيلة لطلاقها.
الحادي والعشرون: يحرم على الزوجة الثانية طلب طلاق الأولى.
لأنه طلب يخالف مقتضى آثار الشريعة، ولأنه مدعاة لقطيعة الرحم، ولأنه ظلم قد يحصل بسببه اثم عظيم على الثانية فإن الله تعالى ينظر للضعيف المظلوم ولو لم يدع، وهذا من باب العدل.
منقول من موقع المنهج.