ويسمونها بغير اسمها!
شريفة الغامدي
كثيرةٌ هي الأمور التي أضحت تُسمَّى بغير اسمها، وتصنف في غير مواضعها، وما تسميتها بغير اسمها إلا مسوغ يجعل المتلقِّي يقبلها، مستحسنًا إياها، غير معظمٍ لجرمها، لما تضفيه عليها تلك المسمياتُ "اللطيفة" من طابعٍ لين يهون من فظاعتها وشدة حرمتِها.
إنَّ الأمور الروحية والوجدانية ذات أهمية بالغة للإنسان، وما يتعلق بتلك النواحي يشْغله بحثًا عمَّا يحقق الراحة والطمأنينة له، فنراه يلهثُ وراء كل ما مِن شأنه الارتقاء بمستوى سعادته وفرحه وراحته ورفاهيته إلى أعلى المستويات؛ لذا كان مُسمَّى المشروبات الروحية ليس فقط مسوغًا لقبولِها، بل مستحثًّا لتجربتها؛ للوصول إلى ذلك الشعورِ الذي يلامس الروحَ كما يوحي مسماها، وإن كان في ملامستِه تلك ينحط بها للحضيض، بينما تسميتها باسمها المبَيِّن لحرمتها وهو: "الخمر"، يجعلُ النَّفسَ تأنفها وتأبى الوقوع فيها؛ فحرمتها واردةٌ نصًّا، فضلاً عن تسميتها بـ: "أم الخبائث"، وهي والله كذلك.
ومن الظَّواهر العِظام التي نراها انتشرت واستشرت في مجتمعاتِنا ما نراه من تشبه كلا الجنسين بالآخر، ولأنَّ التشبه أمرٌ نعلم كلنا حرمتَه وأن فاعلَه ملعون، سوَّغتْ لنا الأنفسُ الضعيفة قبولَ هذا الفعل المنكر تحت مسميات أُخَر؛ كمسمى "البويات" مثلاً، فصرنا نرى فعلَ هؤلاء المتجرئات على القيام بفعلٍ ملعون فاعله رقيًّا في أذواقهنَّ، فهن يواكبنَ ركْبَ التحضر، ويجارِين تيارَ التقدم!
وأولئك المتشبهون أضحينا نراهم في كلِّ مكان، يرتدون الأقراط والسلاسل وملابس الفتيات ويضعون "أحمر الشفاه"، ويتحدثون "بميوعة وليونة" دون استهجانٍ من أحد، فكلُّ ما في الأمرِ أنهم متحضرون يمارسون متطلباتِ مراحلهم العمرية ببساطة، فهم مراهقون وهذه إحدى مظاهر مرحلتهم هذه!
عجبًا.
كيف مرَّ مَن قبلهم بهذه المراحل إذًا دون أن يفعلوا فعالَهم؟!
أولئك الذين يصفون أنفسَهم "بالإيمو" أليس ما يفعلونه تشبهًا تامًّا بجماعاتٍ ضالة يائسة لم يعرف الإسلامُ مثلَها؟! وكل ما تفعله يتنافى مع مبادئه، وقد ورد في الحديث أنَّ: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إذا شابه الزِّيُّ الزيَّ، شابه القلبُ القلبَ".
قرأتُ في أحد المواقع - عفا الله عن أصحابِها الذين هم مسؤولون عمَّا يوضع بها – ما كتبته إحدى العضوات تقول: "أنا فتاة (إيمو) من منطقةِ كذا، أرغبُ في صداقة (إيمو) مثلي"، فترد أخرى بأنها كذلك ترغبُ في مَن يصادقها ولكنَّها "بوية"!
ولأنها لم تكتب أنها "مترجلة" أو متشبهة بالرِّجال فإنها ستحصلُ على الكثيرِ ممن يصادقُها.
وفي جانبٍ آخر فإنَّ تغيير مُسمَّى المخدِّرات والمسكِرات إلى مسمى "الكيف" أو "المزاج"، يجعلُ الشابَ يتناولها إذا أراد أن "يضبط مزاجه" "وينسى همومَه"، ومَن في الحياة لا يريدُ أن يرتاح من كبدها ومن أعبائها؟!
ومن العظائم في خلط التسميات، تسمية المولود من عَلاقةٍ غير شرعية: "ثمرة الحب"، فلم يعد يُنظر إلى العلاقةِ المحرمة باستهجانٍ أو حتى باستحياء، بل أضحت علاقات مقبولة، سوغتها الأفلامُ والمسلسلات الوضيعة، فلم نعد نرى من يستهجنُ حملَ البطلة في المسلسلات سفاحًا أو يتهمها، فهي ما أسلمت نفسَها للحبيبِ المزعوم إلا لحبِّها له، ثم تأتي الثمرة!
فيأتي الطفلُ المبارك ثمرةً لهذا الحب الذي - دائمًا - لا ينتهي بالزواجِ، بل بانفصال الحبيبين ليبقى هذا الطِّفلُ شاهدًا على قصة حب وعشق جارف لم يندم "الأبطال" على ممارستِه!
أيُّ ثمرة تنتجها تلك الشجرة الخبيثة الناشئة في الوحل؟!
ثم نتعجبُ بعدها من انتشارِ العلاقات بين الشباب والفتيات والوقوع في الخطيئة!
ما دمنا لم نعظِّم الحرمات، ولم نغرس في قلوبِهم وعقولهم عِظَمَ حرمة هذه الكبائر والذنوب الموبقة، فكيف سيعرفون ويستشعرون حرمتَها؟!
إنَّ تسمية الأمور بغير اسمها يضيعُ المفاهيم ويخلط الأفكار، ولأنَّ هذه الأجيال الجديدة ضعيفة الارتباط بالنصوصِ القرآنية الحكيمة، وبالأحاديث الصحيحة، وباللغة العربية السليمة - فهي أجيالٌ يسهل التلبيس عليها في دينِها، فالنصُّ الصريح الواضح يُتحيَّر فيه إذا اختلف المسمى، وهذه من مزالق الغاوين الذي يستحلون ما حرَّم الله ويسوغونه للنَّاس؛ ليضلوهم ويبعدوهم عن دينِهم.
وعلينا تجاه هذه الأمور أن نتبينَ موضع الخطأ في تغيير المسميات، ونوضح لأبنائنا أنَّ الحرام سيظلُّ حرامًا لا يحله تغيير مسماه، ولأولئك الغاوين نقول: ((إنَّ الحلالَ بيِّن وإنَّ الحرام بيِّن))، ولو سُمِّي بغير اسمه، فلا تلبسوا الحقَّ بالباطل وأنتم تعلمون.