تهذيب شرح العقيدة الطحاوية
-كلُّ مولودٍ يولدُ على فطرة الإسلام-
قال تعالى: {فأقم وجهكَ للدين حنيفاً فطرتَ اللـه التي فطر الناس عليها(1) لاتبديلَ لخلق اللـهِ ذلك الدينُ القيِّم ولكن أكثر الناس لايعلمون** الروم: 30.
وقال -صلى الله عليه وسلم- : "كل مولودٍ يولَد على الفطرة، فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجسانه"(2).
ولايقال : إن معناه يولد ساذجاً لايعرف توحيداً ولاشركاً - كما قاله بعضهم - لما تلونا(3) ولقوله -صلى الله عليه وسلم-، فيما يروي عن ربه -عز وجل-: "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين"(4). وفي الحديث المتقدم مايدل على ذلك(5)، حيث قال: "يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"، ولم يقل : ويُسلمانه. وفي رواية: "يولد على الملة"، وفي أخـــرى: "على هذه الملة"(6).
وهذا الذي أخبر به -صلى الله عليه وسلم-، هو الذي تشهد الأدلة العقلية بصدقه.
يُحكى عن أبي حنيفة رحمه اللـه: أن قوماً من أهل الكلام أرادوا البحثَ معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني -قبل أن نتكلم في هذه المسألة- عن سفينة في دجلة، تذهب، فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها، فترسي بنفسها، وتتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبرها أحدٌ؟!! فقالوا: هذا محال، لايمكن أبداً! فقال لهم: إذا كان هذا محالاً في سفينة، فكيف في هذا العالم كُلِّه عُلْوِهِ وسُفْلِهِ؟!
فلو أقرَّ رجلٌ بتوحيد الربوبية، وهو مع ذلك لم يعبد اللـهَ وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه، كان مشركاً من جنس أمثاله من المشركين.
(1) عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة في قوله: {فطرة اللـه التي فطر الناس عليها**، قالوا: فطرة اللـه، دين الإسلام. {لاتبديل لخلق اللـه**، قالوا لدين اللـه. واحتجوا بحديث: "إِن اللـه خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين". ذكره ابن القيم في (شفاء العليل).
(2) متفق عليه.
(3) يريد الآية: {فطرة اللـه التي فطر الناس عليها**، الدالة على أن الفطرة هي الإسلام، وأن التوحيد أصل مفطورة عليه النفس، والشرك طارئ مكتسب بسبب عوامل التضليل والتهويد والتنصير.
(4) رواه مسلم وأحمد.
(5) أي أن الفطرة هي الإسلام.
(6) كلتا الروايتين لمسلم.