رسالة إلى مُدَخِّن
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُساعد
في قسم التربية وعلم النفس بكلية المعلمين في أبها
يا من ابتلى نفسه بشرب الدخان ؟
يا من أضاع وقته وماله ، وآذى نفسه وغيره ؟
يا من عرّض نفسه لكثيرٍ من الأمراض والأوجاع ؟
السلام عليك ورحمة الله وبركاته… وبعد :
فالحمد لله الذي أمر بكل طيبٍ ونهى عن كل خبيث ، والصلاة والسلام على مُعلم الناس الخير ، نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بيّن لنا أنه لا ضرر ولا ضرار ، وأن على كل إنسانٍ أن يتقي الله في نفسه وفي كل شأنٍ من شؤونه ، ثم اعلم -هدانا الله وإياك -أن هذا الدخان لا يسمن ولا يغني من جوع ، وانه عادة سيئة أُولع بها كثير من الناس الذين جرفهم تيار الغفلة ، وسيطر عليهم رفاق السوء حتى وقعوا فريسةً سهلةً لذلك العدو الخطر والعادة القاتلة . من هنا كان من الواجب عليَّ أن أُسدي لك النصح فلعل الله تعالى أن ينفعني وإياك بما نقول ونسمع ، وهنا أُوجِّه لك هذه الرسالة قائلاً:
* يا من غلبت عادته على عبادته ، وانتصر هواه على حب مولاه ، اعلم ( هدانا الله وإياك ) أن أهل العلم في الماضي والحاضر قد أفتوا بان شرب الدخان محرم ، وكذلك بيعه ، وشراؤه ، وتأجير المحلات لمن يبيعه لان ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ،فعليك-بارك الله فيك-أن تستعين بالله تعالى في العزم على الإقلاع العاجل عن هذه العادة السيئة ، وأن تُبادر بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى منها ، والندم على ما مضى ، والعزم الأكيد على عدم العودة إليها مرة أخرى . واعلم ( غفر الله لك ) أن من تاب وأناب تاب الله عليه لقوله تعالى : ** وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ** ( سورة طـه: الآية 82 ) ، فكن من التائبين الذين يُحبهم الله تعالى ويفرح بهم .
* يا شارب الدخان ، لا تنس إن الله سبحانه وتعالى إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرها ، وحرم عليهم الخبائث لقوله تعالى : ** وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ** ( سورة الأعراف : من الآية 157) . ولا شك أن الدخان كما نعلم جميعاً من الخبائث التي تشمئز منها النفوس ، وتنفر منه الأذواق السليمة ، ولا يمكن لعاقل أن يقول إنه من الطيبات ؛ فقد اجمع أهل العلم ، وأهل العقل ، وأهل الطب على عظيم خطره ، وبالغ ضرره الذي يقول فيه الشاعر:
كم في الدخان معائب ومكاره *** دلت رذائله على إنكاره
* يا من يتلذذ بوضع السيجارة مشتعلة بين شفتيه ، اعلم أن للتدخين مضاراً صحيةً كثيرةً جداً ، وهي في مجموعها سببٌ للكثير من الأمراض المستعصية التي تصيب مختلف أعضاء الجسم وأجهزته ، إضافةً إلى ماله من آثارٍ نفسيةٍ سيئةٍ على شخصية المدخن بشكلٍ ملاحظ ، حتى إن بعض المصادر العلمية أشارت إلى أن عدد الذين لقوا حتفهم بسبب التدخين في السنوات العشر الماضية يبلغون خمسةً وعشرين مليونًا أي أكثر من مائتي ضعف ضحايا طاعون العصر المسمى بالايدز -نعوذ بالله منهما -.
* يا من جهل أخطار هذا السم الزعاف ،وتغافل عن مضاره لعلك لا تعلم أن السجائر تصنع من نبات يسمى ( التبغ ) ، وهو نبات مر الطعم يحتوي على مادتي النيكوتين والقطران اللتين تعدان من اخطر السموم ، حيث قالت بعض الدراسات الطبية أن محتوى سيجارة واحدة من تلك السموم كاف لقتل إنسان صحيح الجسم لو حقنت مباشرة من الوريد . وليس هذا فحسب بل إن هذه المادة الخبيثة السامة قد قدمت لبعض الحيوانات فعافتها
، واستقذرتها ، وأبت تناولها . فهل يليق بالمسلم أن يتلذذ بشيء تعافه حتى الحيوانات ؟! لاسيما وان المسلم زكي النفس نظيف البدن طاهر الاردان ، قال الشاعر :
وترى الهوام إذا أحس بريحه *** ترك المكان وفر من أوكاره
والنحل لا تلـوي إليه لـخبثه *** أبـداً ولا تدنـو إلـى أزهــاره
ولنتنه ولقبـحه في طــعمه *** لم تدنُ سائمةٌ إلى أشـجاره
* يا من يؤذي الآخرين برائحة الدخان المنبعثة منه ومن ملابسه ،لا تنس أن في رائحة التدخين إيذاء للملائكة الكرام الذين يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم ، إضافة إلى أن تلك الرائحة تؤذي من لا يشربونه من الجلساء و الخلطاء ، وكلنا نعلم أن الله سبحانه قد حرَّم إيذاء المسلم قولاً أو عملاً لقوله تعالى :
** وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ** ( سورة الأحزاب: الآية 58) . وفي الحديث عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من آذى مسلما فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" ( رواه الطبراني ) . وما أصدق قول الشاعر العربي في وصف أذى الدخان ، إذ يقول :
يؤذي الكرام الكاتبين بنتنه *** وأمام وجهك شعلة من ناره.
* أيها المدخن إن صرف المال في شراء الدخان ليس من مصالح الدين ، ولا من مصالح الدنيا لما فيه من إضاعةٍ للمال ، وصرف له فيما لا فائدة منه ، والله تعالى يقول في كتابه: ** وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ** ( سورة الأعراف: من الآية 31) . فإذا كان الإسراف أمرا منهياً عنه في المباحات؛ فكيف به فيما حرَّم الله ونهى عنه مما لا ينفع ولا يفيد ، ثم تذكّر أن كل عبد سيُسال عن ماله : من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، فماذا أعددت لذلك السؤال؟!
* يا من سعى إلى هلاك نفسه بنفسه ، لقد أكدت الحقائق العلمية الثابتة أن ضحايا التدخين أكثرُ بكثيرٍ من ضحايا الايدز والسرطان وبقية الأمراض الأخرى مجتمعة . بل قال البعض : إن القنبلة الذرية التي القيت على هيروشيما لم تفعل بالناس مثلما يفعل التدخين بما يسببه من خسائر مالية فادحة ، وما ينتج عنه من ضحايا يقدر عددهم ب (2.500.000) شخص في العالم سنويا .
* يا من اسودت شفتاه ، واصفرت أسنانه ، وارتجفت أصابعه ، وغارت عيناه ؛ إن عاده التدخين تكون في أولها دلع وفي آخرها ولع ، وبين هذا وذاك سلسلة من الهلاك والضياع والهلع والوجع . فاعلم -هدانا الله وإياك -أن التدخين عادةٌ سيئةٌ يمكن تغييرها واستبدالها بخير منها متى ما صدقت النية وقويت العزيمة . وكم يكون المنظر مؤسفا ومؤلماً حينما نرى مسلماً عاقلاً راشداً قد استبدل السواك النظيف المبارك ، بالسيجارة العفنة لا لشيء إلا تقليداً لرفاق السوء ، و إرضاءً لنزوات النفس الأمارة بالسوء ، وإتباعاً لخطوات الشيطان الرجيم والعياذ بالله .
* أيها المدخن ، إن للتدخين مضارًا اقتصادية عظيمة ،ومخاطر اجتماعية متعددة ، لما فيه من صرف للأموال الطائلة في معصية الخالق عز وجل ، وإنفاقها في ما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، ،ثم لان بقايا سيجارة واحدة قد تؤدي إلى حرائق عظيمة وخسائر فادحة في الأموال و الأنفس والممتلكات والمنشآت . قال الشاعر :
وكم من نقود يا فـتى وملابس *** أتلفتها بشـرائه وشـراره
** وختاما أيها المدخن ، لماذا لا تحاسب نفسك قبل أن تُحاسب؟
ولماذا لا تسرع بالإقلاع عن هذه العادة القاتلة وتتوب إلى الله سبحانه منها ؟
ولماذا لا تحتسب تركك للدخان مجاهدة لهوى النفس وقربى إلى الله سبحانه ؟
أسال الله العظيم رب العرش الكريم ، أن يُلهمنا وإياك الصواب ، وان يكفينا شرور أنفسنا ، وأن يهدينا جميعًا سبيل الرشاد ، انه على كل شيء قدير ، وصلى الله على البشير النذير ، وعلى أله وصحبه وسلم .