قصة مثيرة لأمرأة صابرة بالمنصورة ...
يرويها الشيخ / محمد حسان في إحدى دروسه
أحبتي في الله :
لولا أنني وقفت على هذه القصة بنفسي ورأيت هذه المرأة المسلمة الصابرة بعيني لظننت أن قصتها ضرب من الخيال .
امرأة من أمة الحبيب المصطفى تجسد لنا في قرننا العشرين صبر نبي الله أيوب .. الحمد لله أن رأينا من أمة الحبيب من يحاكي صبر الأنبياء
هذه المرأة تبدأ قصتها بمولدها بقرية جُدَيدة الهالة بمركز المنصورة .
وفي الثامنة عشرة تتزوج .
وبعد سنتين تنجب طفلها الوحيد وفي عام سبعة وستين يهاجمها المرض فتحس بالآم شديدة في بطنها فَتُنْقَل على الفور إلى المستشفى الجامعي بالمنصورة ويشخص الأطباء المتخصصون الحالة بأنها انسداد في الأمعاء الدقيقة ويقرر الأطباء للمريضة المسلمة الصابرة جراحة عاجلة لاستئصال جزءمن الأمعاء !!
وبعد ستة أشهر قرر الأطباء مرة أخرى جراحة ثانية لاستئصالجزء أكبر من الأمعاء !!
وبعد ستة أشهر قرر الأطباء جراحة عاجلة لاستئصال جزء جديدمن الأمعاء !!
وفي هذه المرة اكتشف الأطباء أن المرأة مصابة بمرض خطيرشهير ألا وهو مرض " الدرن " المعروف عالمياً بـT.B وهنا قرر الأطباء عدم التدخل الجراحي واكتفى الأطباء بالعقاقير والحقن وتركوا أمرها لله جل وعلا !!
صبرت المرأة واستسلمت لقضاء الله وقدره جل وعلا .
لا يفتر لسانها عن ذكر الله سبحانه ويلهث لسانها بالثناء وبالشكر على الله جل وعلا .
ثم هاجمها المرض هجوماً عنيفاً بعد ذلك فانتقل هذا المرضالحطير إلى الأمعاء الدقيقة كلها !!
ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى كلِيتها اليمنى فتوقفتالكِلية اليمنى تماماً !!
ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى الرحم فأصيب الرحم بهذا المرض !!
ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى العظام فنخر المرض العظام نخراً !!
وأصبحت العظام هشة متآكلة ثم فقدتعينها اليسرى فلم تعد ترى بها !!
انظر إلى هذه المراحل من مراحل الإبتلاء ومع كل مرحلة إذاما عَلمِت من الطبيب ما ابتلاها الله به تبتسم وتنظر إلى السماء وتقول : الحمد لله .. الحمد لله..
جَبَلُ من جِبَال الصبر .. منذ عام سبعة وستين لم تفارق سريرها في المستشفى الجامعي !!
طلقها زوجها بعد ست سنوات من المرض ثم مات ولدها الوحيد وهو في الرايعة من عمره واحتسبته عند الله جل وعلا ..
وفي عام 85 قبل موسم الحج استمعت في أحد أشرطة الكاسيت محاضرة تتحدث عن الحج فقررت قراراً عجيباً !! ما هو؟!!
قررت أن تحج بيت الله الحرام !! ما هذا ؟!!
وقالت للطبيب المختص أريد أن أحج بيت الله الحرام !! فابتسم
قالت : لقد عَزمْتُ وتوكلت على الله ، فهددها الأطباء بأنها لو فارقت سريرها ستعرضحياتها للخطر في التو واللحظة ..!! فقالت بكل ثقة ويقين أريد أن ألقى الله وأنا على طاعة له !! الله أكبر
قررت أن تلقي الله عى طاعة ..
فباعت ما تملك من الأرض وقررت حج بيت الله الحرام واقترب منها طبيب تقي نقي وحثها على ذلك وسأل الله عز وجل لها الثواب .
وجاء يوم السفر وجئ بالسيارة التي ستحملها إلى المطار تقدم الأطباء لنزع الخراطيم من هذا الجسد النحيل الضئيل فهى إمرأة لا تعيش إلا بهذه الخراطيم استغفر الله بل لا تعيش إلا بإرادة الملك لرب العالمين !!
الخرطوم الأول ينزع .. ما وظيفته ؟
توصيل المحاليل الغذائية لأن المرأة لا تأكل منذ عام سبعة وستين ..!!
بل تعيش على هذه المحاليل الغذائية عبر هذه الخراطيم !!
الخرطوم الثاني أعزكم الله لاستخراج الفضلات .
الخرطوم الثالث لأكياس الدماء يوصلونها للبدن الضئيل .
الخرطوم الرابع لإخراج الرايل من الأمعاء الدقيقة عن طريق الأنف .
ومع ذلك وقف الأطباء يتوقعون لها الموت مع نزع أول خرطوم فَنُزِعَت الخراطيم واحداً تلو الآخر والمرأة تتحدث وتبتسم لأنها ذاهبة لحج بيت الله الحرام !!!
وحُملت في السيارة ثم إلى الطائرة وحمِلت في جميع مناسك الحج وأدت فريضة الله جل وعلا بإعجاز الملك الذي يقول للشئ كن فيكون وهي تحكي هذه القصة وتقول ما أكلت شيئاً إلا عن طريق الفيتامينات وعن طريق الأدوية !!
قضت هذه الفترة وهى تبكي طوال الرحلة تشكر الله جل وعلا الذي أعانها أن رأت بيته وانطلقت إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي والسلام على الحبيب النبي .
وعادت بعد حج بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي عليه السلام ، إلى السرير مرة ثانية ونامت على فراشها ..
في سريرها الأبيض وطلبتني لزيارتها فذهبت لزيارتها مع بعض الأحبة وهم معنا الآن في المسجد ، ذهبت إليها لأذكرها بالله .. ووالله ذهبت لأذكرها فذكرتني هى بالله !! وخرجت من عندها وقد احتقرت نفسي واحتقرت جهدي واحتقرت عملي لله جل وعلا ..
امرأة عجيبة لا يفتر لسانها عن ذكر الله ولا يفتر لسانها عن الثناء والحمد لله جل وعلا!!
أنظرإلى غرفتها أيها المسلم قسمت غرفتها إلى قسمين فصلت الغرفة بستارة وجعلت النصف مسجداً لله جل وعلا وجعلت النصف الآخر لسريرها ووضعت إلى جوارها صندوقاً لجمع التبرعات من أراد أن يتبرع لفقراء المرضى ممن يعجزون عن شراء الدواء !!
وجعلت إلى جوارها مكتبة صغيرة للأشرطة مع جهاز الكاسيت إذا ما دخل عليها طبيب أو ممرضة أعارته شريطاً لمحاضرة من المحاضرات .
وهى في هذه الحالة .. تدعوا إلى الله .. إنها الحياة.. هذه والله هى الحياة ..
فكم من أناس يتحدون الله بِنَعمَه عليهم وهذه المرأة في هذه الحالة لا تفتر عن الدعوة إلى الله جلَ وعلاَ .
تدعو إلى الله بالأشرطة الإسلامية ..
تدعو إلى الله بالصدقة ..
تدعو إلى الله بالإصلاح بين المرضى ..
هيأت حياتها كلها لطاعة الله جل وعلا ولسانها ذاكر ..
وقلبها شاكر وجسدها على البلاء صابر .
فذهبت إليها قبل أن تلقي ربها بأربعة أيام فقلت : كيف حالك ؟!
قالت الحمد لله ، فأثنيت أنا عليها خيراً .. فقالت والله إني لخائفة !!!
قلت : لماذا ؟ قالت أخشى ألا يتقبل الله مني صبري طيلة هذه السنوات !! ولكن ادعو الله لي أن يرزقني حسن الخاتمة ..
قلت أبشري لقد أجري الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شئ مات عليه ومن مات على شئ بٌعِثَ عليه وفي يوم الأربعاء العاشر من أبريل لعام ستة وتسعين توفيت ولسانها رطب بذكرالله – رحمها الله تعالى وجمعنا بها في جنات النعيم وصدق الله إذ يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواتَتَنَزَّلُعَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوابِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْفِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ )فصلت 30:32
ماأرخصها من حياة إن عشت لشهواتك ونزواتك ..
ما أرخصها من حياة يا من لا تعيش إلا من أجل متاع الدنيا الحقير..
ما أرخصها من حياة يا من تعيش من أجل كرسيك الزائل ومنصبك الفاني !!
وما أغلاها من حياة يا من بذلت وقتك كله لطاعة الله ..
ماأغلاها من حياة يا من استخدمت كل نعمة من نعم الله التي أنعم الله بها عليك لمرضاةالله جل وعلا ..
ومن ثم فها أنذا أوجه رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء ..
إلى كل مسلم ومسلمة من أصحاب الأمراض والبلاء قد حبسهم المرض على الأسرة البيضاء ، فصبروا على قدر الله واطمأنت قلوبهم بالقضاء .
أيها المسلمون المبتلون على فراش المرض أو في أي مكان اصبروا وأبشروا .
أيها المبتلون الصابرون اعلموا أن الحياة الحقيقية هى حياة القلوب حينما تمتلئ بالإيمان بعلام الغيوب اعلموا أن الحياة الحقيقة في انطلاق اللسان بذكر الرحمن وإن حُبست عن الحركة الرجلانُ واليدان !!
أيهاالمبتلون الصابرون أبشروا بحديث رسول الله ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث صهيب الرومي أن النبي قال : ( عجباً لأمر المُؤمن إن إمرهُ كُلهُ خير وليس ذلك لأحد إلا للمُؤمن إنأصابتهُسراء شكرفكان خيراً لهُ وإن أصابتهُ ضراء صبر فكان خيراً له " ..
أيها المبتلون الصابرون أبشروا بحديث الرسول الذي رواه البخاري وغيره : "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولاهم وحزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفرالله من خطاياه"
وقد ابتلى المصطفى بالحٌمَى وانتفض جسده الشريف من شدة حرارتها ودخل عليه ابن مسعود والحديث في الصحيحين فقال ابن مسعود : إنك لتوعك وعكاً شديداً يا رسول الله ، فقال المصطفى" أجل ياعبد الله إني أٌوعَك كما يُوعَكُ الرجلان منكم " .
فقال ابن مسعود : ذلك بأن لك أجرينيا رسول الله ؟
قال : أجل ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فيما سواه – حتى الشوكة يشاكها – إلا حطَ الله بها من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها "
المرض يحط عنك الخطايا أيها المبتلى الصابر .
قال الله تعالى( أَحَسِب َالنَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)العنكبوت 2 - 3
وقال تعالى: ( أَم ْحَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْحَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلاإِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)البقرة 214
أيهاالمبتلى الصابر أبشر بحديث الذي رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن صحيح من حديث مصعب بن سعد بن مالك عن أبيه قال :
"سألت النبيأي الناس أشد الناس بلاءً ؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"
فالبلاء رحمة إن صبرت عليه يُكَفَر الله به عنك الخطايا أيها المبتلى المسلم الصابر .
واذكركم يا أصحاب الأسرة البيضاء بهذا الحديث الصحيح عن رسول الله قال :" لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل اللهم أحيني ماكانت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي "
وأختم هذه الرسالة إليكم أيها المسلمون الصابرون بهذه الكلمات الدقيقة لشداد بن أوس رضي الله عنه إذ يقول :
(أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يظلم أحدا فإذا أنزل بك شيئا تحبه فاحمدالله على العافية وإذا أنزل بك شيئا تكرهه فاصبر واحتسب واعلم بأن الله جل وعلاعنده حسن الثواب)
أسأل الله جل وعلا لهذه المرأة المسلمة أن يغفر لها وأن يتقبلهاعنده في الشهداء فإن النبي قد أخبر أن من مات من المسلمين ببطنه فهو شهيد عند الله جل وعلا والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال النبي (ما تعدون الشهيد فيكم) قالوا من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال المصطفى (إن شهداء أمتي إذا لقليل) قالوا فمن هم يارسول الله قال (من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهوشهيد ومن مات في البطن فهو شهيد) (9)
وفي رواية الموطأ والترمذي أن رسول الله قال"الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله"
والمبطون هو الذي يشكو بطنه هذا فضل الله جل وعلا أسأل الله جل وعلا أن يتقبلهاعنده في الشهداء وأسأل الله لجميع إخواننا وأخواتنا منأصحاب الأسرة البيضاء ممن ابتلاهم الله عز وجل بالأمراض والبلاء أن يجعل شفاءهم سهلا ميسورا..
اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اجعل شفاءهم سهلا ميسورا ياأرحم الراحمين، اللهم أبدلهم لحماً خيراً من لحمهم ، ودماً خيراً من دمهم وأنزل عليهم رحمةً عاجلةً عليهم يارب العالمين .