اقترب للناس حسابهم
صاح بالصحابة واعظ (اِقتَرَبَ لِلناسِ حِسابُهُم) فجزعت للخوف قلوب، فجرت للحزن عيون (فَسالَت أَودِيَةُ بِقَدَرِها).
رمى " الصديق " ماله حتى ثوبه على " المدكر " وتخلل بالعبا، وقال " عمر " : ليتني كنت نبة؟؟ وقال عثمان: ليتني إذا مت لا أبعث.
صاح " علي " بالدنيا: طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، وقد كانت تكفي واحدة، لكنه كيلا يتصور الهوى جواز المراجعة، وطبعه الكريم يأنف من المحلل.
وقال: " أبو الدرداء " : ليتني كنت شجرة تعضد.
وقال " عمران بن حصين " ليتني كنت رمادا.
أنت تسمع القرآن لكن لا كما سمعوه.
لَو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها ... خَرَّوا لِعِزَّةَ رُكَّعاً وَسُجوداً
إقدام العارفين على التعبد، قد ألفت أقدامها الصفوف، تعتمد على سنابك الخوف، فإذا أثر النصب راوحت بين أرجل الرجاء.
انقسم القوم عند الموت، فبعضهم صابر الخوف حتى انقضى نحبه. " كعمر " كان يقول عند الرحيل: الويل لعمر إن لم يغفر له.
ومنهم من أقلقه عطش الحذر، فتبرد بماء الرجا، " كبلال " كانت زوجته عند الموت تقول: واكرباه وهو يقول: واطرباه، غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه، علم بلال أن الإمام لا ينسى المؤذن، فمزج الموت براحة الرجاء.
بَشَّرَها دَليلُها وَقالا ... غَداً تَرينَ الطَلحَ وَالجِبالا
قال " سليمان التيمي " لولده عند الموت: اقرأ علي أحاديث الرخص لألقى الله تعالى وأنا حسن الظن به.
إلى متى تتعب الرواحل ولا بد لها من مناخ:
رِفقاَ بِها يا أَيُها الزاجِرُ ... قَد لاحَ سَلعٌ وَبَدا حاجِرُ
وَخَلِّها تَسحَبُ أَرسانَها ... عَلى الرِبا لا راعَها ذَاعِرُ
وَاذكُر أَحاديثَ لَيالي مِنى ... لا عًدِمَ المَذكورُ وَالذاكِرُ
يا مخنث العزم: أين أنت والطريق نصب فيه " آدم " ؟ وناح لأجله " نوح " ورمي في النار " الخليل " واضطجع للذبح " اسحاق " وبيع " يوسف " بدراهم بخس ونشر بالمناشير " زكريا " وذبح الحصور " يحيى " وضني بالبلاء " أيوب " وزاد على القدر بكاء " داود " وتنغص في الملك عيش " سليمان " وتخير بأرني " موسى " وهام مع الوحوش " عيسى " وعالج الفقر " محمد " .
فَيا دَارَها بالحُزنِ إِنَّ مَزارَها ... قَريبٌ وَلَكِن دَونَ ذَلِكَ أَهوالُ
أول قدم في الطريق بذل الروح. هذه الجادة فأين السالك، هذا قميص " يوسف " فأين يعقوب هذا طور سينا فأين " موسى " يا جنيد احضر، يا " شبلي " اسمع.
بِدمِ المُحِبِ يُباعُ وَصلُهُمُ ... فَمَن ذا الَّذي يَبتاعُ بالسِّعرِ
أبن الجوزي (اللطائف)