اذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبه لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع , كما ان الانسان اذا اشتغل بالتكلم بما لاينفع , لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه الا اذا فرغ لسانه من النطق بالباطل .
وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغير الطاعه لم يكن شغلها بالطاعه الا اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب المشغول بمحبه غير الله وارادته والشوق اليه والانس به لا يمكن شغله بمحبه الله وارادته وحبه والشوق الى لقائه الا بتفريغه من تعلقه بغيره ,ولا حركه اللسان بذكره والجوارح بخدمته الا اذا فرغها من ذكر غيره وخدمته , فاذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التى لاتنفع لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفه اسمائه وصفاته واحكامه
وسرذلك:
أن اصغاء القلب كاصغاء الاذن ,فاذا اصغى الى غير حديث الله لم يبق فيه اصغاء ولا فهم لحديثه ,كما اذا مال الى غير محبه الله لم يبق فيه ميل الى محبته , فاذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره ,كاللسان , ولهذا في الصحيح:عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:لان يمتلأ جوف احدكم قيحا حتى يريه خيرا له من ان يمتلأ شعرا .فبين ان الجوف يمتلأ بالشعر فكذلك يمتلأ بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات التى لاوجود لها , والعلوم التى لا تنفع , والمفاكهات والمضاحكات والحكايات ونحوها .
واذا امتلأ القلب بذلك جاءته حقائق القران والعلم الذي به كماله وسعادته , فلم تجد فيه فراغا لها ولا قبولا , فتعدته وجاوزته الى محل سواه ,كما اذا بذلت النصيحه لقب ملآن من ضدها لا منفذ لها فيه , فانه لا يقبلها ولا تلج فيه , لكن تمر مجتازه ولا مستوطنه , ولذلك قيل :
نزه فؤادك من سوانا تلقنا فجنابنا حل لكل منزه
والصبرطلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم فاز بكنزه
وبالله التوفيق . لابن القيم الجوزيه رحمه الله .نسال الله من فضله العظيم .