حكم دراسة علم الحرف والأوفاق
السؤال
سؤالي هو كالتالي: ما هو موقف الإسلام من دراسة بعض العلوم القديمة كعلم الأوفاق والحرف (دراسة أكاديمية علمية)، إذا كان جوابكم بتحريم هذه العلوم لأنها شرك بالله وسحر، فما قولكم ببعض مؤلفات كبار علماء الإسلام كالغزالي والسيوطي واليافعي اليمني وبعض كبار فقهاء المغرب كأبي العباس السبتي وبعض المتصوفة كالشاذلي وابن عربي وغيرهم؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن علم الحرف والأوفاق لم يكن معروفاً عند السلف رحمهم الله تعالى، ولم ينقل عن أحد منهم الاشتغال به سواء الصحابة أو التابعون أو أتباع التابعين، ومن أعلم وأتقى الناس بعدهم؟!، ويؤكد هذه الحقيقة ابن خلدون في (المقدمة) حيث قال: وحدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها، وعند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم. انتهى.
بل لم يعتبر به أحد من العلماء المتأخرين الراسخين المحققين، وإنما المعروف عنهم تضليلهم لمزاوله في تفسير القرآن وتاريخ الأمور الغيبية، ومن ذلك قول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها، ونسف الجبال، وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه، ولا يعلم متى ذلك إلا الله، فمن زعم أنه يعلمه بحساب، أو بشيء من علم الحرف، أو بكشف، أو بنحو ذلك فهو ضال مضل. انتهى.
وقال ابن خلدون في (المقدمة): فأما سر التناسب الذي بين هذه الحروف وأمزجة الطبائع، أو بين الحروف والأعداد، فأمر عسير على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات، وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف!!.
وأما ما نسبته إلى من ذكرت من انشغالهم بهذه العلوم، فنقول: أما المبتدعة والطرقية كالشاذلي وابن عربي فلا يعتد باختياراتهم إن ثبتت، وقد كفَّر العلماء ابن عربي، وانظر (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) للحافظ ابن عساكر.
وأما اليافعي والسبتي فلم نقف على قولهم في علم الحرف والأوفاق، وأما الحافظ السيوطي -فعلى العكس مما ذكرت، فقد نص على تحريم علم الحرف- كما في الأشباه والنظائر حيث قال: العلوم تنقسم إلى ستة أقسام، أحدها: فرض كفاية- ثم ذكر الرابع فقال: حرام كالفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل... إلى أن قال: ومن هذا القسم علم الحرف، صرح به الذهبي وغيره.
هذا واعلم أن الحافظ السيوطي لكثرة مصنفاته، فإنه كثيراً ما يفترى عليه وتنسب إليه كتب لم يصنفها ليروجها واضعوها على الناس.
وأما الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، فلم يثبت لنا أن الرجل انشغل بعلم الحرف وجوز الاشتغال به، إلا أن يكون ذلك في كتابه (كيمياء السعادة) أو كتاب (المضنون به على غير أهله)، قال الذهبي: فأما كتاب المضنون به على غير أهله فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب مقاصد الفلاسفة، وقد نقضه الرجل بكتاب التهافت.
وقال الذهبي أيضاً: ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب كيمياء السعادة والعلوم وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ماعليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف والإعراض عن الشرح له.
ثم اعلم أن استدلالك على صحة شيء أو جوازه بفعل بعض الناس له طريقة باطلة في الاستدلال، قال علي بن أبي طالب: الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
وأخيراً عليك بالعلم الذي ينفعك في الآخرة، وتأمل قول الإمام الذهبي: نسأل الله علما نافعاً، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ولم يأت نهي عنه، قال عليه السلام: من رغب عن سنتي فليس مني.
فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين وسنن النسائي ورياض النووي وأذكاره، تُفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى