_ بعض ما جاء عن أهل العلم في الرجوع للحق وشكر الناصحين .
قالَ الإمامُ الرَّبانيُّ ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى- : مَن نصرَ هواهُ فسدَ عليه عقلُه ورأيُه؛ لأنّه قد خانَ الله في عقلِه، فأفسدَه عليه، وهذا شأنُه سبحانه في كلِّ مَن خانَه في أمرٍ من الأمورِ؛ فإنَّه يُفسِدُه علَيه ! .
_ وقالَ المُعتصمُ يوماً لبعضِ أصحابِه :
يا فُلانُ ! إذا نُصرَ الهَوى ذهبَ الرَّأيُ .
_ وسمعتُ رجلاً يقولُ لشيخِنَا : إذا خَانَ الرَّجلُ في نقدِ الدَّراهم، سلَبه اللهُ معرفةَ النَّقدِ، أو قالَ : نَسيهُ، فقالَ الشَّيخُ : هكَذا مَن خَانَ اللهَ ورسولَه في مسائلِ العلمِ!! انتهى من :
( روضةِ المُّحبين / ص386-387 )،
_ وانظر : تقريراً مُفِيداً في ( التُّحفةِ
العراقيَّة ) لشيخ الإسلام ابنِ تيمِيَّة .
* * *
_ وقالَ ذَهبيُّ العصرِ النَّقَّادُ البَصيرُ، العلَّامةُ الكبيرُ عبدُ الرحمن بنُ يحيى المعلِّميُّ / توفي 1386 -رحمه الله تعالى- في ( القائد إلى تَصحيح العقائد " 2 - 212 / 213 " ضِمنَ التَّنكيل ) – بعد أن ذكرَ بحوثًا في خَفِيِّ هَوَى النُّفُوسِ، قد لا تَرَاها في غَيرِه ! :
و بالجُمْلَةِ : فمسالُك الهَوى أكثرُ مِن أن تُحصَى، وقد جَرَّبتُ مِن نفسي أنَّني رُبَّما أنظرُ في القضيَّة زَاعمًا أنَّه لا هَوَى لي، فيلُوحُ لي فيهَا مَعنىً، فأقرِّرُهُ تقريرًا يُعجبنِي !،
ثمَّ يلُوحُ لي ما يخدشُ في ذلك المعنى، فأجدُنِي أتبرَّمُ لذلكَ الخادشِ،
وتُنَازُعني نَفسي إلى تكلُّفِ الجوابِ عنه، وغضِّ النَّظر عن مناقشةِ ذلك الجوابِ؛
وإنَّما هذا لأنَّني لمَّا قرَّرتُ ذلك المعنَى أوَّلاً تَقريرًا أعجبني صِرتُ أهوَى صحَّته، هذا مَع أنه لم يعلم بذلك أحدٌ من النَّاس، فكيفَ إذا كنتُ قد أذعتُه في النَّاس !،
ثم لاحَ لي الخادشُ ؟! ، فكيفَ لو كانَ المعترضُ ممَّن أكرهُهُ ؟! .
هذا ولم يكلَّف العالمُ بأنْ لا يكونَ له هَوى؛ فإنَّ هذا خارجٌ عن الوُسعِ، وإنَّما الواجبُ على العَالم أن يفتِّشَ نفسَه عن هَوَاها، حتى يعرفَهُ،
ثم يحترزَ منه، ويُمعنُ النَّظرَ في الحقِّ من حيثُ هو حَقٌّ، فإنْ بانَ له أنَّه مخالفٌ لهَواه آثرَ الحقَّ على هَوَاه ! انتهى المراد .
_ قلتُ : هذه مَنقبةٌ جَليلةُ القَدرِ، عظيمةُ الفضلِ، لا يَنَالُهُا إلَّا مَن جعلَ هوَاه تَبعاً للحقِّ يَقودُهُ حيثُما سَارَ، ويَرحلُ به في أيِّ وادٍ، ويَنزلُ به في أيِّ ضَيعَةٍ، فالحقُّ للهِ ورَسُولِه !،
ومِن أَحرَى النَّاسِ بهذه المَنقَبَةِ أهلُ الحَديثِ قَدِيماً و حَدِيثاً .
* * *
_ جَاء في «تاريخ بغداد» (10/308) - بسندٍ حَسنٍ في تَرجمةِ عُبيدِ اللهِ بنِ الحسنِ العنبريِّ، قالَ الخطيبُ : وكانَ مَحمُودًا، ثِقَةً، عَاقلًا من الرِّجالِ :
أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ مَهدِيٍّ قالَ : كنَّا في جَنَازَةٍ فيها عُبيدُاللهِ بنُ الحسنِ، و هُو على القَضَاء،
فلمَّا وُضِعَ السَّريرُ جلسَ، وجَلسَ النَّاسُ حَولَهُ،
قال : فسألتُهُ عن مَسألةٍ؛ فغَلِطَ فيهَا، فقلتُ :
أصلحَكَ اللهُ !، القَولُ في هذه المَسألَةِ كَذا وكَذا
إلَّا أنِّي لم أُرِدْ هَذه، إنَّما أَردتُ أن أرفَعَكَ إلى ما هُو أكبرُ منهَا، فأَطْرَقَ سَاعةً، ثمَّ رَفَعَ رأسهُ،
فقالَ : إِذَنْ أَرجِعُ ! ، وأنَا صَاغِرٌ !! ، إِذَنْ أَرجِعُ !، وأنَا صَاغِرٌ !!؛
لأَنْ أَكُونَ ذَنَبًا في الحَقِّ أَحبُّ إليَّ مِن أن أَكُونَ رأسًا في البَاطلِ ! .
* * *
_ و في تَاريخ بغدَاد (8/242) : في تَرجَمَة الإمَام القُدوَة أبي عبد الرَّحمن حَاتم بن عُنوَان البَلخي الأصَمّ (ت237)،
لمَّا دَخلَ بغدَاد اجتمعَ إليه أهلُ بغدَادَ
فقَالوا له :
يَا أبَا عبدالرَّحمن أنتَ رجلٌ عَجميٌّ، وليسَ يُكلِّمكَ أحدٌ إلَّا قطعتَه؛ لأيِّ معنًى ؟ ؛
فقالَ حاتمٌ : مَعي ثَلاثُ خِصالٍِ بها أظهرُ على خَصمِي ،
قَالوا: أيُّ شيءٍ هيَ ؟، قالَ : أَفرحُ إذا أصَابَ خَصمي،
و أحزنُ له إذا أخطَأ،
وأحفظُ نفسِي لا تَتَجاهَلُ علَيه ،
فبلَغَ ذلكَ أحمدَ بنَ محمَّدِ بنِ حَنبلَ، فقَال : سُبحَانَ الله ! مَا أعقلَهُ مِن رجلٍ !! انتهى
_ وانظر : السِّيَرَ للذَّهبيِّ ( 11/487 )،
و الفَرقَ بينَ النَّصيحةِ والتَّعيير
لابنِ رجَبٍ ( ص 32 ) .
* * *
_ و كانَ الإمَامُ الشَّافعيُّ ( ت 204 ) يُبَالغُ في هذا المعنَى، ويُقرِّرُه لأصحَابِهِ؛ حتَّى قالَ :
مَا نَاظرتُ أحَدًا؛ فبَاليتُ أَظهرت الحُجَّةُ على لسَانِهِ، أو علَى لِسَاني ! [انظر : آدَابَ الشافعيِّ ومنَاقبَه لابنِ أبي حَاتمٍ
( ص91-92 )، و منَاقبَ الشَّافعيِّ
للبيهقيِّ ( 1_ 173/ 174 ) ] .
_ قالَ الحافظُ العَالمُ الرَّبانيُّ ابنُ رجَبٍ
( ت 795 ) : وهَذا يَدلُّ على أنَّه لم يكن له قَصدٌ إلَّا في ظُهورِ الحقِّ،
ولو كانَ على لِسانِ غَيرِهِ ممَّن يُنَاظرُه، أو يُخَالفُهُ،
ومَن كانت هذه حَالُه، فإنَّه لا يَكرَهُ أنْ يُردَّ عليه قَولُهُ،
ويَتَبَيَّنَ له مُخَالفتُهُ للسنَّة، لافي حيَاتِهِ ولا في مَمَاتِه !،
وهَذا هُو الظَّنُّ بغَيرِه من أئمَّة الإسلام، الذَّابِّينَ عنه القَائمينَ بنَصرِه، مِن السَّلفِ والخَلَف ،
ولم يَكُونُوا يَكرهُون مُخالفَةَ مَن خَالَفَهم - أيضًا- بدَليلٍ عَرَضَ له، ولو لم يكن ذَلك الدَّليلُ قَوِيًّا عندَهم بحيثُ يَتمسَّكونَ به، ويَترُكُونَ دَليلَهم له ! .
_ وقالَ: ... فَلهذا كانَ أئمَّةُ السَّلفِ المجمعِ على عِلمِهم، وفضلِهم يَقبلُونَ الحقَّ ممَّن أوردَه عليهم، وإنْ كانَ صغيرًا،
ويُوصُون أصحابَهم، وأتباعَهم بقَبولِ الحقِّ؛ إذا ظهرَ لهم في غيرِ قَولهم ! .
* * *
_ وفي السِّيرِ (17/269-270) تَرجَمةِ الإمَامِ الحَافظِ مُحدِّثِ الدِّيارِ المِصريَّةِ عبدِالغَنيِّ بنِ سعيدٍ الأَزدِيِّ (ت 409) ، قالَ الذَّهبيُّ :
ولعبدِالغَنيِّ جُزءٌ بَيَّنَ فيـهِ أوهَـامَ كتَابِ ( المَدخلِ إلى الصَّحيحِ ) للحَاكمِ يَدُلُّ عَلى إمَامَتهِ، وسَعَةِ حِفظِهِ ! .
_قالَ عبدُ الغَنيِّ : لمَّا رَددتُ علَى أبي عبدِ الله الحَاكمِ الأَوهَامَ التي في ( المَدخلِ ) بعثَ إلي يَشكُرني، ويَدعُو لي؛ فعلمتُ أنَّه رَجلٌ عَاقلٌ ! . انتهى .
نقلته بفصه ونصه من مقدمة كتاب التنبيهات العلمية للشيخ أبي العباس الشحري.
_ منقول