السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي العيناء تفضلي
السؤال:
ما حكم الشرع في الرجل المسلم الذي ينتقل إلى دين آخر فيما بعد ؟ أرجو أن تزودني بالإجابة لأنني أريدها للضرورة
الجواب
الحمد لله الردة هي الكفر بعد الإسلام ، وليس شيء من السيئات يُحبط جميع الأعمال إلا هي ، فإن مات على ردته : حبط عمله ، فإن رجع إلى الإسلام : رجع ثواب عمله ولا يجب عليه قضاء ما تركه حال الردة من صلاة أو صوم .
قال شيخ الإسلام :
وأما الردة عن الإسلام بأن يصير الرجل كافراً مشركاً أو كتابيّاً : فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن في غير موضع كقوله : ** ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ** ، وقوله : ** ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله ** ، وقوله : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** ، وقوله : ** لئن أشركتَ ليحبطن عملك ** .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 257 ، 258 ) .
وأما حكم الشرع في المرتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام وجب قتله .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .
رواه البخاري ( 6484 ) ومسلم ( 1676 ) .
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
رواه البخاري ( 6922 )
ثم إذا قُتل فإنه يموت كافراً فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ويوم القيامة يكون من أصحاب النار الذي هم فيها خالدون .
وقد لفظت الأرض مرتدّاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، عبرةً وعظة للناظرين .
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رجلٌ نصرانيّاً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيّاً فكان يقول : ما يدري محمَّدٌ إلا ما كتبتُ له ، فأماته الله ، فدفنوه ، فأصبح وقد لفظتْه الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمَّدٍ وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا ، فألقوه فحفروا له فأعمَقوا ، فأصبح وقد لفظتْه الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمَّد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظتْه الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه .
رواه البخاري ( 3421 ) ومسلم ( 2781 ) وفي آخره – عنده – " فتركوه منبوذاً " - .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
************************************************** ***************
السؤال
أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا ، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي ، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني .
وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل ، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين . وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر .
والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين .
فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله ، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة ، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها .
ثانيا :
الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل .
فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى ، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل ، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم ، أو إهانة المصحف ، أو ترك الصلاة .
والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية - :
"ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة ، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ .
مجموع الفتاوى " ( 2 / 193 ) .
ثالثاً :
ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً ، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره ، منها :
الجهل ، والتأويل ، والإكراه ، الخطأ .
أما الأول : فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى ، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية ، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل ، ويقل العلم ، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم .
والثاني : هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع ، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم .
والثالث : كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب ، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان .
والرابع : ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له .
وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها ، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة ، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها ؟ .
رابعاً :
المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة ، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له ، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) :
المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ .
وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد .
روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .
وروى البخاري ( 6484 ) ومسلم ( 1676 ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب .
والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث ، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين .
ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض ، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره ، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما ، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته ، بل يقتل ولو تاب ، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل . وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال رحمه الله :
الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين ، بل إنما تدل على القسم الأول – أي : الردة المجردة - ، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه ، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه ، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ، فانقطع الإلحاق ، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه ، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين ....
" الصارم المسلول " ( 3 / 696 ) .
والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة ، قال القاضي عياض :
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهيــة والقول بالحلول ، وقوله : " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته .
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1091 ) .
وعليه : فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين ، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد .
والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط ، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك . بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
المحاربة نوعان : محاربة باليد ، ومحاربة باللسان ، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى - ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .
" الصارم المسلول " ( 3 / 735 ) .
خامساً :
وأما ترك الصلاة : فالصحيح أن تاركها كافر مرتد . راجع السؤال (5208) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب