الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فنصوص الشريعة واردة على حدوث السرقة من الجن والشياطين ..
والنقلة للأخبار : يذكرون في تضاعيف مصنفاتهم جملة وافرة من حدوث ذلك ..
والواقع المشاهد ، وما رأيناه : بلغ حدَّ التواتر المُسلَّم في ثبوته .. وهذا حاصل لنا ولغيرنا من الناس يعرفه من له اشتغال بعالم الرقية والجن وأحوالهم ..
والسرقة منهم – أعني الجن – قد تكون لفائدة حاصلة لهم ، أو لغيرهم ..
ومن الوارد في الصحيح قصة أبي هريرة وسرقة الشيطان لشيء من طعام الصدقة .. وله شواهد في غير الصحيحين = قصة معاذ .. وأبي أيوب مع الجان السارق للتمر .. وغيرها .. والأحاديث الواردة في التسمية عند إغلاق الباب وتغطية الإناء لمنع وصول الشياطين إليها وفتحها دليل على ذلك ..
وقد تسرق الجنُّ انتقاما لأنفسها ؛ لأسباب شتى ذكرها في غير هذا الموضع .. أو لانتفاع غيرها من الإنس بذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في مجموع الفتاوى (1/ 174 ) : ( والشياطين يوالون من يفعل ما يحبونه من الشرك والفسوق والعصيان، فتارة يخبرونه ببعض الأمور الغائبة ليكاشف بها، وتارة يؤذون من يريد أذاه بقتل وتمريض ونحو ذلك .. وتارة يجلبون له من يريده من الإنس، وتارة يسرقون له ما يسرقونه من أموال الناس ، من نقد وطعام وثياب وغير.. ذلك فيعتقد أنه من كرامات الأولياء وإنما يكون مسروقا ) .
وقال في كتابه النبوات ) 279.. : ((فكثير من الناس قتلته الجن كما يصرعونهم والصرع لأجل الزنا وتارة يقولون إنه آذاهم إما بصب نجاسة عليهم وإما بغير ذلك فيصرعون صرع عقوبة وانتقام وتارة يفعلون ذلك عبثا كما يعبث شياطين الانس بالناس والجن أعظم شيطنة وأقل عقلا وأكثر جهلا والجني قد يحب الإنسي كما يحب الأنسي الانسي وكما يحب الرجل المرأة والمرأة الرجل ويغار عليه ويخدمه بأشياء واذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره كل هذا واقع ثم الذي يخدمونه تارة يسرقون له شيئا من أموال الناس مما لم يذكر اسم الله عليه ويأتونه إما بطعام وإما شراب واما لباس واما نقد وإما غير ذلك وتارة يأتونه في المفاوز بماء عذب وطعام وغير ذلك وليس شيء من ذلك من معجزات الانبياء ولا كرامات الصالحين فإن ذلك انما يفعلونه بسبب شرك وظلم وفاحشة وهو لو كان مباحا لم يجز أن يفعل بهذا السبب فكيف اذا كان في نفسه ظلما محرما لكونه من الظلم والفواحش ونحو ذلك وقد يخبرون بأمور غائبة مما رأوه وسمعوه ) .
وقال : (وكذلك اذا ادخر شيئا ولم يذكر اسم الله عليه عرفوا به وقد يسرقون بعضه كما جرى هذا لكثير من الناس وأما من يذكر اسم الله على طعامه وعلى ما يجتازه فلا سلطان لهم عليه لا يعرفون ذلك ولا يستطيعون أخذه ) .
وفي كتابه الصفدية ( ص192) : ( وآخرون كانت الشياطين تأتيهم بأطعمة يسرقونها من حوانيت الناس وجرى هذا لغير واحد في زماننا وغير زماننا وأتى قوم بحلاوة من الهواء وعرفت تلك الحلاوة المسروقة وفقدها صاحبها ووصفت الآنية التي كانت فيها فرد ثمنها إليه وهذه الأمور وأمثالها معلوم لنا بالضرورة والتواتر فإذا كانت الجن تحمل الإنسان من مكان إلى مكان بعيد في الهواء وتحمل الأموال إليه من مكان بعيد وتخبره بأمور غائبة عن الحاضرين علم أن هذه الخوارق ليست من قوى النفوس بل بفعل الجن .. ) .
أقـــــول : دفع سرقاتهم للمال يكون بالذكر وقراءة القرآن.. والزكاة الواجبة ، والصدقة النافلة ، والتحرز بوضع المال في مكان آمن يختاره المرء ما يناسبه في بيته ، أو مكان آخر .. وهذا ما رأيناه نافعاً لمن أصيب بهذا النوع من التسلط والاعتداء ..
والله الموفق والعاصم والواقي من شرور الجن والشياطين ومكرهم .
وكتب / أبوعبد الرحمن ..
صباح يوم الإثنين/27محرم / سنة 1429