غاية الغايات التي يحلم بها الإنسان فوق هذه الأرض
أن يعيش حياة سعيدة طيبة
هانئة ناعمة
من كل وجه
لا نصب فيها ولا صخب
ولا ضجر ولا كدر
ولا مرض ولا حتى موت !!
ولكنها أمنية دونها خرق القتاد
لأنها لا يمكن أن تتحقق على النحو الذي يتمناه هذا الإنسان
حتى لو كان أغنى أغنياء الدنيا
وأنعم ملوك الأرض قاطبة !
فالدنيا مشوبة بأكدار متصلة
ولذائذها مغموسة بما ينغصها على صاحبها ..
..
ولقد قرر علماؤنا أن في الدنيا عللاً لا تجعل صاحبها يهنأ بها كل الهناء
حتى لو بدا في عيون الخلق أنه يعيش حالة فرح دائم لا تنقطع !!
وإذن ..فهذه الأمنيات الغالية
والأماني العذبة
لن تجدها على تمامها
إلا بعد فراق هذه الأرض
حين تنتقل إلى عالم آخر
صفته غير صفة هذه الدنيا
وأحواله غير أحوالها
وشؤونه غير شؤونها ..
..
وعلى قدر ما تجهد جهدك في طاعة الله عز وجل
والإقبال عليه
والحرص على ما يحيه ويرضاه
تتكامل لك تلك الأمنيات والأماني والأحلام !
ولك أن تطلق خيالك الجامح (بكل قوة) ليصور لك ألواناً من النعيم والمباهج واللذات التي لا تتوفر لأغنى أغنياء الأرض
لأنه لا يمكن أن يتصورها أصلا
ثم قلب نظرك في تلك الصور وفرّع منها وشقق وولد صورا أخرى كثيرة كثيرة !!
ثم اعلم أن كل هذه يمكن أن تكون بين يديك يوماً ما
بل وأكثر منها مما لم تسمع أذنك
ولا رأت عينك
ولا حتى خطر على بال بشر أصلا !
..
ألم يأتك نبأ أن آخر من يدخل الجنة
يعطيه الله سبحانه
عشرة أمثال هذه الدنيا كلها !!
فهل سمعت أو قرأت أن ملكاً من ملوك الأرض ملك عشر هذا !!؟
فبالله عليك كيف بمن يدخلها مع أول الداخلين !!!
ولكن هذا لن يكون
ولن يتحقق لك إلا بشرط واحد ..
هذا الشرط هو :
أن تموت يوم تموت والله جل جلاله راضٍ عنك تمام الرضا !
..
وكيف لك أن تطمئن أن تموت على هذه الصورة الوضيئة ؟
الجواب يسير ..
بل ومقرر في كتاب الله سبحانه ..
أن تموت على طاعة .. !
وقد تقول : وكيف لي أن أعرف أن سأموت على طاعة ..!
الجواب : أن من كرم الله ورحمته أن الإنسان يموت على ما عاش عليه .. !
فإن كانت حياتك متصلة بطاعة الله سبحانه
يسر الله لك موتة كريمة تموت عليها
لتلقاه وهو راض عنك
وملائكة السماء فرحة بك ..!
..
فعش في كنف طاعة الله
وتقلب بين رياضها
وأقبل عليها إقبال العاشق الولهان
أو الجندي في ثكنة ..!
يقول الله سبحانه :
(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
وكيف تضمن أن تموت وأنت مسلم
الجواب ما ذكرناه قبل قليل :
أن تعيش في كنف طاعة الله
مقبل عليه
حريص على ما يرضيه
مجاهدا نفسك أن لا تتورط فيما لا يحبه ولا يرضاه ..
...
فإن تعثرت فلا تيأس
بل اجعل من كل عثرة في الطريق
عامل تشمير جديد لسير أقوى
ويقظة قلب أشد
ولكن العثرة ستقع مرة أخرى
فجدد السفينة
واجمع زادا جديدا
واصقل قلبك بمزيد من الطاعات الجديدة
وهكذا ، كلما غلبك الشيطان في جولة
فلا تستسلم
بل صح في وجهه في عزم : ولو ..! إن كنت غلبتني في هذه الجولة
فإن الجولات القادمة ستكون لي بعون الله عليك .. ثم شمر من جديد .. !
..
فإذا دمت على هذا
ستجد أن هذه المعركة أصبح لها نكهة فريدة
ومتعة خاصة
وشغلاً شاغلا ماتعاً ..!
وعن قريب ستجد نفسك قد انتقلت إلى ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر ..!
..
ولمثل هذا فليشمر المشمرون
ولمثل هذا فليعمل العاملون
ولمثل هذا يسعى العقلاء ..
أما الحمقى فما أكثرهم
وإياك أن تكون واحدا منهم
وأنت تتمنى على الله الأماني ..!