قال الشيخ العلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في رسالته ( تحقيق البدعة )
(: وإذا استند إلى التجربة كما حكى لي بعضهم أن رجلاً اعتاد تقبيل ظفري إبهاميه عند قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم تركه لما قال له بعض أهل العلم: إنه بدعة ،
والحديث الذي يروى في ذلك حكم عليه المحدثون بأنه كذب ، فلما ترك ذلك أصابه وجع في عينيه فأخذ يعالجهما بأدوية مختلفة فلم تنجع حتى قال له بعض المتصوفة: التزم تقبيل إبهاميك عند الأذان ، فوقع في نفسه أن ذلك الوجع إنما أصابه عقوبة على ترك تلك العادة ، فعاد لها فبرئت عيناه ، فقل له مع ما تقدم: إن الله عز وجل يبتلي عباده بما شاء ، ويستدرج أهل الضلال من حيث لا يعلمون ،
وقد سمعنا عن عدة أشخاص أن أحدهم كان تاركاً للصلاة ثم رغبه الواعظون فيها وخوفوه من عقوبة تركها فشرع يحافظ على الصلاة ، فأصابته مصائب في أهله وماله ، فرأى أن ذلك من أثر الصلاة فتركها
، ونحن نقول: يجوز أن يكون ما أصابه من أثر الصلاة . وتفسير ذلك ما جاء في الحديث:" إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً " فمن شأنه سبحانه أن العبد إذا ترك معصية يمتحنه ليظهر حقيقة حاله وما الباعث له على ترك المعصية الإيمان أم غيره؟ فإذا صبر على تلك المصائب تبين أن الباعث له على ترك المعصية إيمان ثابت ، فيجبره الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، ويكفر عنه بتلك المصائب مصائب أعظم منها كان معرضاً للوقوع فيها .
كان رجل من قواد يزيد بن معاوية فسقط من سطح فانكسرت رجلاه فدخل عليه أبو قلابة المحدث المشهور يعوده وقال له: لعل لك في هذا خيراً . قال: وأي خير في كسر رجليّ معاً ؟ قال: الله أعلم ، فبعد أيام جاء رسول يزيد إلى ذلك القائد فأمره بالخروج لقتال الحسين بن علي عليهما السلام فقال للرسول: أنا كما تراني فعذروه ، وكان ما كان من قتل الحسين ، فكان القائد بعد ذلك يقول: رحم الله أبا قلابة ، قد جعل الله لي في كسر رجليّ خيراً أي خير ، نجوت من دم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قال .
وقد يبدل تلك المصائب نعماً وإن سقط فالله غني عن العالمين . وقد قال الله عز وجل ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
. وهؤلاء السحرة الذين يرتكبون بعض الفظائع تقرباً إلى الشياطين كثيراً ما يحصل لهم بسبب ذلك نفع في دنياهم ، لأن الله عز وجل يخلي بينهم وبين الشياطين فتنفعهم الشياطين نفعاً ظاهراً في دنياهم وتهلكهم الهلاك الأبدي ، وقد يبتلي الله عز وجل كبار المؤمنين فيسلط بعض السحرة الفجار عليهم حتى لقد ورد أن بعض اليهود عمل عملاً من أعمال السحر فاعترى النبي مرض بسببه .
وقد مكن الله عز وجل المشركين فأصابوا من المسلمين يوم أحد ما أصابوا ، فقتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وكثير من أصحابه ، وشج وجه النبي وكسرت رباعيته بأبي هو وأمي فأنزل الله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) وتأمل الأحاديث التي وردت في صفة الدجال ، وقد روى أبو داود وغيره عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود عن عبدالله قال: سمعت رسول الله يقول:" إن الرقى والتمائم والتولة شرك " قالت: قلت: لم تقول هذا والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت فقال عبدالله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها ، إنما يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله يقول:" أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً )
ومن ذلك ما حكاه لي بعضهم أنه إذا صلى المكتوبة منفرداً يرق ويخشع ، وإذا صلى في الجماعة لا يخشع . والسبب في هذا أن الشيطان يحاوله على ترك الجماعة فيخشعه إذا صلى منفرداً ويهوش عليه إذا صلى جماعة ليحمله على ترك الجماعة ، مع اعتقاد أن الانفراد أفضل ، فيكون في ذلك مخالفة الشريعة ما هو أضر عليه من ترك الجماعة – ثم قال –
ومن ذلك أنني كنت رأيت بعض المشايخ يكتب كلمة ( بدوح ) على صفة مخصوصة ويتعلقها المحموم فكنت أنا أكتب ذلك لمن به حمى فكانوا يقولون: إنها تنقطع الحمى عنه ، حتى لقد كتبتها لرجل في تهامة فعاد إلي مرة ، وأخبرني أنه علقها فلم تعاوده الحمى ، وأن رجلاً من أصحابه أصابته الحمى فأعطاه تلك التميمة عينها فانقطعت عنه ، وأظنه ذكر ثالثاً ، وقال: إن تلك التميمة اشتهرت في قريتهم فصار كل من أصابته الحمى يستعيرها ، ثم إني تدبرت أحكام السنة والبدعة ووقفت على ما ورد في التمائم فامتنعت من كتابة (بدوح ) حتى إنه يصاب ولدي وغيره ممن يعز علي بالحمى فتحدثني نفسي أن أكتبها فأمتنع ، أسأل الله تعالى أن يوفقني لما يحبه ويرضاه . وأقول كما قال النبي : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، اللهم لا تكلني إلى نفسي فإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وعجز . والمقصود أن الاستناد إلى التجربة وإن كثر من المتصوفة ونحوهم ليس حجة ولا شبه حجة ولم يقل بأنه حجة أحد من سلف الأمة ، ولا أحد من الأئمة والعلماء الراسخين ا.هـ
مقصودي من هذا النقل النفيس ، أن كثيرا من المعالجين اغتر ببعض التجارب المخالفة للكتاب والسنة ، بإن الحجة أنه قد ثبت نفعها وما علم أن الشيطان قد يفعل ذلك وينفعه المره بعد الأخرى بالطرق البدعية ، حتى يضله ويضل به ، فمقصود الشيطان الأعظم هو انحراف الأديان قبل تعب الأبدان