كانت القصص الكثيرة الوهمية والأساطير التي أتخمت بها مخي في سنوات عمري
جعلت من خيالي عصفور محبوس يحاول أن يخترق الفضاءات ويخلص من سجنه
أرى الوجوه واكمل رسمها بخيالي
أسمع أطراف الحكايات لأكمل نسجها بخيالي
كانت كل الكلمات التي أقرأها تحولني الى كائن خرافي بقدرات خرافية.
كنت أجلس أوقات طويلة في عمر المدرسة مع صديقتي أستمع الى حكايا والدها الذي توجه الى فلسطين في أحداث النكبة
كان السامع يهيء له أنه لم يكن يقف في مواجهة قصف العدو الا رجل واحد ..هو
وبمنطقه ، فإن الحرب انتهت بالخسارة لأن أحدا لم يستمع اليه
لم تكن زوجته توافقه ابدا على قصصه التي يعيد تكرارها كأنها نشيد وطني
وكانت لا تخفي مللها وتثاؤبها وتوبيخها له أحيانا
شرد ذهني كثيرا الى هذه المرأة، لم يكن من الممكن أن تتفق مع زوجها في شيء
فقط كانت تجاريه إذا رأت أنه يأكل البصل
أستغرب كيف يختلفان في كل كلمة تقال ام لا تقال
بينما تتحول معه دون اعتراض الى وجبة بصل نيء .
يكفيني استغابة لئيمة لهذه المرأة المنهكة من العمل والتعب ، بينما زوجها جالس يتمطى ببطولاته الوهمية في أرض فلسطين
معلقا على الحائط أمامه جلد ذئب يدعي أنه اقتنصه، وعلق جلده دلالة على شجاعته.
يكفي أنها كانت تصف نومه المرعب ونصف عيونه مفتوحة على بياضها بالنوم الغزلاني !
كنت أجلس وصديقتي في زاوية من الزوايا لنذاكر معا ونقرأ القصص معا ، كنت أكره رواية " الأميرة النائمة " ولا أتصور أن انام عمرا ، حتى يشرّف الأمير .
و نتضاحك على صوت شخيره القادم من الغرفة المجاورة بانتظام ورنة عالية توحي بزلزال ما ، بينما ترقد زوجته " الأميرة النائمة " في وداعة وكأنه أصابها الصمم.
ليس ثمة لعبة أتذكرها في ذلك الوقت كلعبة " سباق الصراصير "
تلك اللعبة الشريرة
نجمع صراصير الحقل ونعلق في كل منها عود ثقاب ونشعلها جميعا ، فيبدأ السباق
وتحرث الصراصير الأرض ألما،،
بينما نحرث نحن الأرض ضحكا ...
أحنّ الى تلك الأيام....
أحن الى الضحكات...
أحن الى القصص والأساطير...
أحن حتى الى صوت الشخير...
كان كل شيء في تلك الأوقات ، يغلب عليه النظام ،
حتى الشخير والضحكات والحكايا والكلام
في أيامنا هذه ، يقفز الشخص بين قناع وقناع
وخلف كل قناع ،
ألف قناع.....
في أيامنا هذه ، يقفز الشخص بين قناع وقناع
وخلف كل قناع ،
ألف قناع.....
أيامنا أيام العجب, تجدين أحدهم يمضغ وهو نائم...وبيشخر وهو مستيقظ...بيضحك وهو بيبكي....عالمنا عالم صدق أو لا تصدق...والحكايا والنوادر...لاأظن بأن الأيام الخوالي كانت أشد خرافة من أيامنا هذه....تغير كل شيء...ليس للأفضل كما يظن البعض...وإنما إلى ما لاتحمد عقباه....ومن يعش كثيرا يرى كثيرا.
دمت بود....في انتظار البقية يا محبة لعبة الصراصير.
أصابني رعب من الصراصير بعد ذلك بسنوات ، وربما هذا انتقام قدريّ لما كنت أفعله فيها.
أصبت أخيتي ، هذه الأيام ترين الكذب يتكدس في النظرات والكلمات ويورق في العيون فجلا وبطيخا...
كذب كثير يتساقط من الجيوب ملحا ....
كل ما أذكره في رحلتي الجامعية أنني كنت أكره أن أجلس في المحاضرات
كان هذا يكلفني مسؤولية ضخمة وهي اكتشاف المادة لوحدي وتفسير غموضها بما أنني استغنيت عن خدمات المحاضر في ايصال الفهم الى عقلي المشتت وخيالي الواسع الذي لم يكن يستقر بعقلي لأركزه فيما يحاول المحاضر ان يقوله
كان عقلي ينتقل من فكرة لأخرى ومن منطق لآخر ومن صورة لأخرى بخفة ومرونة
كان أكثر ما يثقل كاهلي المختبرات العملية والتي لا يمكن أن أعوض غيابي عنها
كانت تقتلني الساعات الأربع التي أقضيها في تشريح الجراد والجرذان والفئران
لا لم اكن أدرس الطب
اكتفيت بدراسة علم الحيوان حيث من الممكن أن نعالجه
أما الإنسان فإن عالجنا أمراضه الخارجية
فأمراضه الداخلية لا يمكن أن يشفى منها أبدا
ليس ثمة شيء مهم أذكره في تلك الفترة الخيالية الا شهادتي الجامعية ،
ومحاضرة جامعية كانت أقرب الى نساء الحارات الشرقية بصوتها وزعيقها وتوبيخها المستمر
وكانت دوما عندما تغضب من احد الطلبة او الطالبات تقول له : الله يوخدك
ولطالما قالت لي ذلك ،
ولكن الله لم يستجب لها ..
ربما لأن صلاتها قصيرة مبتورة
لا تحفظ الآيات وتقرأ على هواها
تفتري على الله الكذب كما تفتريه علينا باتهاماتها المستمرة ..
انتقلت الى العمل .. ولم أكن أعلم لماذا انتقل من قسم لآخر ومن عمل لآخر
هل كان الفضول هو وراء ذلك ، ورغبتي بمعرفة الجديد والكثير ؟
أم أنني الجوكر ، المرأة الناجحة في كل مكان
أو ربما كنت الموظفة التي تفشل في كل مكان
لا أدري....
شكرا .. شكرا .. شكرا جزيلا مشرفتنا القديرة وأديبتنا الفاضلة ( فاديا ) كلام رائع وجميل ومؤثر جدا .. وكنت أتمنى أن تتواصل هذه السطور الى ( ما لا نهاية ) حتى ندرس ونبحث ونتعلم منك أيتها الأديبة الفاضلة .
إن كلماتك التي تنطقين بها أو تكتبينها تحمل في طياتها حقائق ومعاني جميلة ورائعة جدا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى .. كلمات تخرج من صميم القلب وليس من فراغ عقلي .
لك إسلوب رائع يخرج من أعماق عقلك الباطن بحكمة لا حدود لها وقوة جبارة .. وإمداد مستمر لكل حدث أو مناسبة بلا نهاية .. وتفاعل منسجم بين الماضي والحاضر .
وفقك الله وحفظك والى الأمام دائما وأبدا إن شاء الله وعلى بركة الله وتوفيقه .
وتقبلي مني خالص الشكر والإحترام والتقدير .
والشكر موصول كذلك للأخوات المشرفات الفاضلات ولكل من شارك أو تفاعل مع هذا الموضوع .