وصلت اختراعاتنا الى حد بعيد من التقدم فاق ما كان يسمى بالتكنولوجيا
فاصبحت المسافات رواية قديمة ،
واصبحنا نضحك بأسى على تلك الايام التي كان فيها الانتقال من مدينة الى اخرى مجاورة، رحلة يُعتد لها بالزاد والاسلحة..
وكان المسافر يودع اهله ومعارفه ، ويذكر وصيته ، خوفا من الا يعود الى بيته ثانية..
فقد تلتهمه الوحوش الضارية على الطريق...
اما اليوم....فقد جنّدت الوحوش المؤذية كلها داخل هذا الجهاز الصغير الموجود في كل بيت..
فلم يعد هناك داعي للخوف منها !!!
انتظروا... انا لست ضد التقدم والرفاهية والاختراعات !!! ابدا، ابدا...
على العكس... انا اصرّ على وجود هذا التلفاز وهذا( الدش ) داخل بيتي...!
رغم انني لا اجلس امامه....!
ولكن ...يوجد عندي خزانة جميلة جدا مصنوعة بطريقة يدوية من خشب الزان...
والمشكلة انها مصنوعة لوضع ( تلفاز ) بداخلها ، كما هناك مكان مخصص لوضع (جهاز الاستقبال )،
وسيبدو منظرها غبي جدا ، اذا وضعت أشياء اخرى بداخلها !!!
أو اذا تركتها فارغة !!!!!
لهذا ..... ترون انني لست ضد استخدام هذه الاجهزة....
ولكنني استغرب موقف المستميتين لها...
فعلى الرغم من فوائدها........... المضرّة :
اننا نقطع المسافات في لمح البصر وبسرعة تتحدى سرعة الضوء !
فالفضائيات تضع لك العالم بين يديك...
وبالتالي لا توجد هناك تكاليف سفر وسياحة..وتذاكر..!!
وهي كذلك بشرى سارة لمن يخافون الطيران والاماكن المرتفعة ...( مثلي !)
كما انها تضيّع وقتك.... وتسليك كثيرا...
فلا داعي للزيارات وصلة الرحم اذا لم تكن من محبي الكلام والمجاملات والكذب والنفاق !!
كما ان زوجتك بالبيت طوال اليوم... فليست عند تلك الجارة...تنهشان بلحم صديقة اخرى !!!
كما نرى ان شوارعنا اصبحت نظيفة وفارغة تماما.....!
وهذا اكبر دليل على التحضر والتمدن.....!!!!!
فلم يعد هناك من يجلس عل الارصفة بالشوارع...باحثا عن عمل ،
قد لا يغطي ادنى مستويات الحياة الكريمة ....
فالكل جالسا امام الفضائيات.. يبحث بكل جد بين القنوات !!
ولم تعد قوافل الشباب بالانتظار عند مدارس الفتيات..
فالفضائيات.. توفر اكثر من هذه ( المشاهدة ) ..
دون الحاجة الى الوقوف فترات طويلة مما يعرّض للاصابة بضربات الشمس..!!
ولا بأس اذا تسببت...... بضربات العقل !
ولا داعي كذلك لتجشّم العناء والذهاب الى حضور مباراة رياضية..
والازدحام والتعارك حول مصير المباراة ومن الفريق الفائز !!!
وقد يكون مصير هذا العراك ان تبيت في السجن ليلة او اكثر !!
فها انت تجلس مرفها على كنبتك... واذا اشتد الحماس..
فأمامك الكثير من الاشياء لتلقي بها في الهواء..
او حتى تستطيع ان.... تخبط رأسك بالحائط..
فلن يحاسبك القانون على ما تفعل...
كما ان هذه الفضائيات... قد اغنت عن التعليم وعن المدارس وعن المدرسين.....!!
فلا حاجة لشبابنا ان يتعبوا انفسهم في طلب العلم..
وان يرهقوا ذويهم.. بتكاليف المدارس العامة والخاصة..
وتحت رحمة المدرسين الخصوصيين الجشعين.
فقد وفرت هذه الفضائيات اعلى مستويات التعليم !! واحضرت لنا جميع العلوم والخبرات في الدول المتقدمة.
اما الفائدة الكبيرة للفضائيات....
فتتجلّى في ( اراحة رؤوسكم ) من شغب الاطفال وحركتهم الكثيرة !!
فيكفي ان ( تربط طفلك) امام القنوات التي لا تبخل بعرض برامج متنوعة للاطفال على مدى 24 ساعة !!
وضمن عملية التجميد هذه ليس هناك مجال للنمو العقلي والفكري والاجتماعي او النفسي....
وهكذا ... تعلم اطفالك القاعدة الذهبية في وقت مبكر جدا... وهي...
" استعمل فمك للطعام لا للكلام..."
ومن فوائد الفضائيات الاخرى...
تزوّد ربة البيت بالكثير الكثير من طرق تحضير المأكولات الشهية...
المهمة جدا ، وخاصة في شهر رمضان...
فشهر رمضان في عصرنا هذا، اصبح لدى الكثيرين شهر الطبيخ والمآدب
بدل ان يكون شهر الروح والكفاف !!
وهناك الكثير من الناس من يكرمون شهر رمضان بالموائد العامرة بكل ما لذّ وطاب..
لا بتلاوة القرآن وصلاة التراويح وقيام الليل...
كما ان طبيعة الفضائيات انها تستمر بالبث 24 ساعة....
لذا فلا داعي للنوم.. بل أصبح اغلب الناس – الذين يسهرون حتى ساعات الصباح الاولى على الفضائيات - يصلّون صلاة الفجر في وقتها !!!!!!
فهم لا يصلّون صلاة الفجر على وقتها لان الصلاة خير من النوم....
بل لانهم ضمنوا عدم النوم حتى تلك الساعات.....
ولسان حالهم قبل الفضائيات كان يقول : النوم، النوم.
كما ان الفضائيات توفّر سبل حصول الشباب على الموضة...
في نفس الوقت الذي تصدر فيه في باريس...
فلا تخلف ولا رجعية بعد اليوم... بعد ان اصبح شبابنا اكثر اناقة من شباب باريس..!!!!!!
شبابنا العربي... فتيات وشبان....ابناء وبنات الفضائيات..
تكاثروا اليوم بطبعات رديئة منفرة...
وهم على متن باخرة تلعب بها العواصف...
فتعلو حينا... وتهبط حينا...
وتميل يمينا... فيتكومون يمينا...
وتميل شمالا... فيتكومون شمالا..
وعندما تتطاول عليهم الامواج...
لا بأس بإلقاء ما في القاع ( من قيم ومبادئ واخلاق قديمة ! ) حتى لا تبتلعهم الامواج.
ولا شك ان لديهم مبادئ وقيم ( خاصة ) يحرصون عليها ويهتمون بصيانتها...
ويكتبون على اسوارها بالخط العرض...." احترس! حقل اوهام"
مثلا.....حفظ اسم آخر مطربة ظهرت على الفضائيات...
واسم اكبر فيلم حصد جوائز الاوسكار.....
واتقان آخر موضة لتصفيف الشعر...
و.... و........
ووصفات للاحتفاظ بالرشاقة والشكل العام.....
وتجاهل تام.... لما بداخل القلب...
ونتذكر قول الشاعر :
اماه ما شكل الجبال وما الربيع وما القمر..
بجمالها تتحدثون ولا ارى منها الاثر...
وتذكرت المثل المعروف :
" ان جنّ قومك"
وذكرني كل ما أراه اليوم بقصة رمزية لتوفيق الحكيم...
اذ شرب الشعب من نهر ( يقال له نهر الجنون ) بعامته ومثقفيه ووجهائه،
فأصيبوا بالجنون ، عدا الملك ووزيره اللذين لم يشربا من ذلك النهر...
وهاج الناس وماجوا... متهمين الملك ووزيره بالجنون ! وهمّوا بالوثوب عليهما...
وجرى جدل حاد بين الملك ووزيره فرأيا انه، من المستحيل شفاء هؤلاء المجانين..
واصبح من المستحيل ايضا العيش بينهم...
فقال الملك بعد تفكير للوزير....هيا بنا لنشرب من النهر!
هناك عديد من الاشخاص... يرفضون ان يخالفوا من حولهم
فيشربون من النهر !!
وهناك آخرون يعتقدون بحقيقة " المختلف قد يمثل بالضرورة " العاقل الأكيد " في عالم مجنون "؟؟
والحقيقة...
ان لكل شيء حدان
ولكن البعض يصر على استعمال الحد السيء
لان الشيطان لا يكل ولا يمل
وبريق الاختراعات الحديثة هي ميدانه الاساسي
وان طريق الدين واضح جدا
ولكن اكثرهم أصبحوا من جنود الشيطان
يصمون آذانهم عن السماع
وأعينهم عن البصر
فلا احد يريد ان يسمع الا.... اصوات التأييد والمديح،
من أناس انفصلت ألسنتهم عن قلوبهم...
وغدا قولهم كالمياه الوسخة المسفوحة....
فغدا صمت هؤلاء..... فضيلة
ولو حاولنا التفكير بمدنية وعقلية متفتحة عن فوائد الفضائيات...
لوجدنا انه وعلى الرغم من وجود اية فائدة ملموسة لها...
الا ان اثرها الاعظم بأنها قد حولت عاداتنا وطباعنا السيئة...
الى أسوأ....
ونعود للقول....
سقى الله كل امس لنا ، لأن غدنا قد يكون أسوأ من يومنا .....