أكاد أجزم أن الناس لا تأكل في مجموع أيام السنة ..كما تأكل في شهر رمضان
وتعود مقولة ان الطريق الى قلب أحد تكون عبر كرشه ، مقولة أساسية تتصدّر أيام رمضان
في رمضان .. تتضاعف أوزاننا
وهذا ما يشكّل ضغطا على الملابس والأحذية من ناحية أخرى والتي تحتاج الى ميزانية أخرى
لا أريد أن انتقد أزمة التسوق الغذائي التي أشعر بوجع في معدتي كلما رأيت الأطنان من المأكولات المطبوخة وغير المطبوخة تنقل الى البيوت
لم يعد هناك فرق بين سوق القويسمة أو مخيم الحسين التي كان يدب الناس عليها للشراء بالجملة ،
وبين أسواق كوزمو ومكة مول
ما عاد هناك شيء رخيص الا البني آدم ..كما قالت جدتي
لم يعد هناك فرق بين كلفة تحضير الافطار في البيت
أو الجلوس في مطاعم فخر الدين وسميراميس والسلطان ابراهيم ،
كان يمكن ان اقول انه على الاقل هناك شيء ايجابي واحد في التسوق واحضار المواد الى البيت بدل بعزقة النقود على المطاعم ، لولا انها نفس الكلفة تقريبا ، وربما اذا أضفنا الجهد والفرن والمياه لزادت الكلفة
ثم ان هذا لا يمنع الناس من الانتشار في الشوارع وفي المطاعم وعلى المقاهي حتى وجه الصبح
..في الأردن حيث الناس ينامون مبكرا وتكاد تخلو الشوارع من اية حركة بعد العاشرة ليلا
تجد معظم الناس في ليالي رمضان مشردين هنا وهناك على حدّ قول : جرّب ليلك يبقى نهار
معظم الناس لا يعملون ولا يدرسون في رمضان ..
تعطّل المدارس في شهر رمضان وتنتهي أوقات العمل بعد العصر بقليل ،
فينطلق الناس الى بيوتهم و( يتسلدحون ) أمام المروحة والتلفاز حتى يقول المؤذن : الله أكبر
وبعد المغرب ينتشرون في الشوارع وهنا وهناك
في كل سنة ... تراودني نفس الخاطرة :
يا ليت المدارس تعود الى الدوام ... ويا ليتهم يعيدوننا لإكمال العمل بعد الافطار
أصبحت هذه الفوضى لا تحتمل
لا أزور أحدا في رمضان ..رغم انه شهر التواصل والرحمة
وليس لعلّة فيّ .. الا انني لا أجد أحدا لأزوره ، الكل يضرب لي موعدا في الخارج
ما عاد احد يستقبل احدا في بيته ، وانا لا أحب التواجد في الأماكن الخارجية الا في الأيام الماطرة حيث الناس في بيتوهم
أما أن أغوص في البحور البشرية فلا يمكن احتمال هذا الازعاج ، ولا أفهم أبدا ما المتعة في التواجد في مناطق الأزمة ولماذا يتراكض الجميع الى المناطق المعروف أنها مأهولة بالناس ..شيء غريب
زمان ..في الليالي الرمضانية الحارّة المشابهة لطقس هذه الرمضانات ، كان الناس يستمتعون كل ليلة بالذهاب الى صلاة التراويح وبعدها تجتمع كل عائلة وتجلس على الدرج خارج البيت حتى يحين موعد قيام الليل ، صحيح انهم كانوا يزكون صيامهم في جلسات الدرج باستغابة ( الرايح والجاي ) ، إلا انهم أكثر وعيا من سكان الأرض الحاليين ، خاصة من حيث التسوّق ، شوالين قمح على جرة زبدة وتنكة زيت وتنكة زيتون و( قطرميز) مربى العنب المعقود حصريا واستثنائيا في حقول اربد و آخر لمعجون الطماطم والفلفل الحار مع قفص أرانب وقفص دجاج ، كانت تأتينا على متن سيارة جوية من مسقط رأسنا الى مكان اقامتنا وكان الله بالسرّ عليم.
كانت ماركة الخالة فاطمة للمنتجات الغذائية مميزة الى أبعد درجة ،ولكنها ضاعت مع كل ما يضيع هذه الأيام بعد ان ضاربت عليها ماركة الأميركان جاردن وماركة الهاينز واكتسحتا السوق ، ما عاد هناك داع، لجميع الخالات ، ان يجهدن انفسهن في حلب البقر والتصنيع الغذائي
راحة ما بعدها راحة .. ولا تزال النساء تشكو من الضيم والظلم .. فعلا مخلوقات غريبة !
لا اريد ان يفوتني التساؤل الذي يطنّ في رأسي من أول يوم في بداية كل رمضان وحتى نهايته ،
في ظل ارتفاع الأسعار الرهيب والركود الاقتصادي وانخفاض معدّل الرواتب ، وانتشار البطالة بشكل لم يسبق له مثيل ، إضافة الى الأوضاع المخيفة التي يشهدها الشرق الأوسط،
... من أين يا ترى يُحضر هؤلاء البشر النقود لكل هذه المشتريات وهذه البعزقة الغذائية ؟