«غسول الفناجيل» في الأفراح.. نساء يحصِّن أنفسهن من «العين والحسد»!
الجهل والوهم وصلا إلى سلوكيات مرفوضة ومثيرة ومحبطة ومستفزة للعلاقة مع الآخرين
«عزايم الوسواس» جمع «غسال» البيالات والفناجيل..!
تحملن تكاليف «العزيمة» من أجل بقايا فنجال قهوة وكأس ماء للعلاج من العين
الخبر، تحقيق- عبير البراهيم
كان الوقت متأخراً حينما اقتربت «أم الهنوف» من قاعة الأفراح، حيث يحتفل ابن شقيقها بزواجه، وترقبت خلو الطريق من المارة؛ لكي تؤدي مهمتها دون أن يراها أحد، فاقتربت من عتبة المدخل الرئيس لقاعة النساء، وجمعت الأتربة العالقة على سطحها ووضعتها في كيس فارغ وأحكمت إغلاقه ووضعته في شنطتها، وفعلت الطريقة ذاتها على الرصيف المحيط بالمدخل الرئيس بواسطة «أدوات كنس» أحضرتها خصيصاً وأخفتها داخل عباءتها، وسط غفلة من حارس القاعة، قبل أن يتنبه لظل أسود يجمع جاث على قدميه أمام البوابة فبادر راكضاً للحاق بها، ولكنها استطاعت النهوض سريعاً والركوب مع سائقها ولاذت بالفرار بعد أن تطاير غبار «الأثر» في وجه الحارس.
«القهوجي» و«الصبابة» تحولت مهمتهما في الزواجات إلى «جمع القوارير» وبيعها بمبلغ وقدره
لم تكن «أم الهنوف» تنوي إيقاع الأذى لأصحاب قاعة الأفراح كما أعتقد الحارس، ولم تكن أيضاً تحاول أن تسيء إلى أصحاب العرس المنتهي قبل ساعة من مجيئها، بقدر ما كانت تحاول أن تجمع أثر أقدام المدعوين لحفل الزفاف؛ كونها تعتقد أنهن سبب الحالة الصحية المفاجئة لابنتها في قدميها بعد حضورها إحدى حفلات الزفاف، فوجدت أن خير طريقة لشفاء ابنتها هو جمع «أثر» المدعوين على أمل أن من ضمن الخطوات المارة على تلك العتبة هي من أسقطت ابنتها بالعين؛ لعلها أن تُخلّص ابنتها من تلك الآلام العائقة عن الحركة.
فهل أم الهنوف محقة في اعتقادها أن «أخذ الأثر» طارد للعين والحسد؟، وما حقيقة « أخذ الأثر شرعاً؟، وهل له أصل ومرجع في صحته؟، وما هي أساليب جمع الأثر في الأوساط النسائية؟ بعد أن وصل الأمر إلى إقامة المناسبات خصيصاً للوصول إلى أثر من يعتقد أنها أصابت أمراً بعين، بل وحتى أصبح «جمع الغسال» تجارة يستفيد منها «القهوجي» و»الصبابة».
عزيمة «غسال»!
لم تجد «سمية إبراهيم» حرجاً في محاولة دفع العين بأخذ أثر من اعتقدت أنه أصاب أحداً من أسرتها بعينه، حيث لاحظت في كل مرة تزور فيها أسرة زوجها أن ابنها الصغير يعتب جداً ويبكي بشكل دائم دون توقف، حتى قررت دعوة أسرة زوجها لمأدبة عشاء تكلفت خلالها كثيراً؛ من أجل جمع «غسالهم» بعد تناولهم الطعام والشراب في بيتها، مشيرةً إلى أنها أعدت إناءً كبيراً من أجل وضع «البيالات والفناجيل» -المستخدمة من قبل الضيوف- بداخله، وطلبت من الخادمة نقعها في ماء وعدم غسلها؛ من أجل تغسيل طفلها بذلك الماء، ولم تنس أن تشرب منه هي الأخرى تحسباً لأي طارئ!. وبررّت فعلها بأنه ورد في السنة أن «العين حق»، وليس في ذلك شيء خصوصاً أنه من الصعب جداً أن تطلب من أي شخص أخذ أثره أو وضوءه الخاص به؛ نظراً لأن كثيراً من الأشخاص يشعرون بحساسية كبيرة من ذلك الموضوع، مما يجعل من الأنسب دعوته إلى مأدبة؛ لأخذ غساله.
وسواس الحريم وصل إلى ذروة التحايل للحصول على «أثر العين»
دعوة شاي
ولم تتردد «أم ناجي» أن تدعو جاراتها إلى حفلة شاي كلفتها مادياً الكثير على حساب زوجها؛ من أجل أخذ أثرهن، كونهن أصبن بدهشة كبيرة عندما زرنها في بيتها الجديد المنسق والأنيق، حيث مسحت مقابض الأبواب التي أمسكوا بها، فضلاً عن تجميع غبار عتبة باب المنزل لكي تُبخر بها منزلها عن العين، إلى جانب جمع أطباقهن بعد خروجهن، حتى تضمن دفع العين والحسد عنها وعن منزلها الجديد.
وأكدت على أنها شعرت براحة وضمان -بعد الله- من الإصابة بالعين؛ خاصة أن العديد من النساء يتضح على ملامحها الحسد، مما يتطلب أخذ أثرها حتى وإن استدعى الأمر التحايل عليها، مستشهدة بقصة شقيقها عندما شعرت أن زميلتها في العمل تحسدها، فطلبت منها فستاناً ترتديه بذريعة أخذ تصميمه، وعندما أخذته اتجهت فوراً إلى نقعه بالماء، وشربه؛ حتى تسلم من عينها -على حد قولها-.
غسول للبيع
ولم يصل أخذ الحذر من العين بواسطة الأثر عند إقامة العزائم، وبذل الأموال لطردها، بل أصبحت تجارة رابحة لدى عاملات قاعات الأفراح اللواتي وجدن في تخوف النساء من العين وحب أخذ اثر النساء المدعوات سبباً في تحويل ذلك إلى تجارة مربحة جداً، حيث ذكرت «صفيّة جابر» -عاملة إعداد شاي وقهوة في قصر أفراح- أنها فوجئت ذات يوم بوالدة عروس تطلب منها جميع ماء غسيل فناجين القهوة المستخدمة من قبل المدعوات في الحفل، ووضعها في علبة ماء كبيرة، حتى تغتسل منها العروس بعد الحفل، فما كان منها إلاّ أن نفذت رغبتها، وتوالى الطلب ذاته عليها أكثر من مناسبة زواج، مما جعلها تفكر أن تستغل الأمر بطريقة تجارية تُدر عليها ربحاً أكبر مع زميلاتها العاملات، حيث وفرّن قارورات ماء فارغة بأحجام متنوعة، وأصبحن يجمعن بها غسول ماء الفناجين وأقداح الشاي، ويضعونها في تلك القارورات، ويعرضنها في المطبخ بعد أن يكتبن عليها عبارة «غسول لمنع العين للبيع» فوجدن إقبالاً كبيراً من قبل المدعوات، وذلك بسعر خمسة ريالات للقارورة الصغيرة، والمتوسطة بعشرة ريالات، في حين وصل الحجم الكبير 15 ريالاً، مع منح خصومات لمن تشتري كميات كبيرة.
إعلان قهوجية في أحد الزواجات لبيع غسال المعازيم
وأشارت إلى أنهن كعاملات في الأعراس لا يحبذن ذلك الاعتقاد المُطلق بتلك السلوكيات، وربما تبادلن الضحك والفكاهة فيما بينهن على بعض مواقف النساء عندما يتشاجرن ويتسابقن على نيل إحدى قوارير الماء ذاته، كما حصل بين ذات مرة عندما دب خلاف كبير بين سيدتين انتهى بالعراك بالأيدي وتبادل الإتهامات!، حتى أصبحنا نرى قوارير الماء تُحلّق في فضاء المطبخ إلى أن تسرب الماء منها!.
الأصل الاغتسال
وبيّن «أحمد الهاشمي» -مدير فرع الدعوة والأوقاف والشؤون الإسلامية والإرشاد بالأحساء- أن العين حق كما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- «العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين»، منوهاً أن جمع الأثر وأخذ قطعة من القماش وغيرها، من الاعتقاد بالأثر جميعها لم ترد، ولكنها شيء من الاعتقادات التي لا أصل لها في الشرع.
وذكر أن أخذ إناء أحد قد شُرب فيه والاغتسال منه صفة مأخوذة من الوضوء والغسل، وذكرها بعض العلم نظراً لأن البعض يحرج من طلب الاغتسال من شخص يظن أنه أصابه بالعين، فلا مانع من أخذ مائه والاغتسال به، أو أخذ بعض من نوى تمر تناوله، أو فناجين قهوة أو شاي أو كوب ماء شرب منه، فلا بأس بذلك.
وأضاف:»أخذ الأثر لا أصل له، خلاف الاغتسال بالوضوء فله أصل، وقد قاس عليه بعض أهل العلم الأخذ بالفناجين، وإناء الشرب منعاً للحرج، أما جمع التراب وغيره فلا أصل لها في الشريعة»، مشدداً على ضرورة أن التوازن في ذلك، وحُسن التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وتفويض الأمور عليه، وتلك عقيدة واجبة على كل مسلم ومسلمة، ولكن بما أنه ورد أن العين حق، ووردت في عهد الرسول الكريم لدى بعض الصحابة فلا شك بأن العين حق، فالعين نفس شريرة وحاسدة»، مبيناً أن الانسان من الممكن أن يعي نفسه إذا رأى ما يعجبه من نفسه، أو ولده، أو زوجه، فعليه أن يقول «تبارك الله»؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «هلاّ برّكت».
وأشار إلى أن التفكير الدائم بأخذ الأثر، أو أخذ شيء ممن يعتقد أنه أصيب بعين بسببه، ليس حصراً على النساء فقط، حيث إن بعض الرجال من هو دائم التخوف من العين، فيفكر بأخذ غسل من يظن به أنه أصابه بشيء من العين، إلى جانب أنه يُرجع أي شيءٍ يصيبه من دوخة أو قلق أو اكتئاب إلى العين، موضحاً أن ذلك لا يجوز للمؤمن المطالب أن يتوكل على الله، ويعتقد أنه النافع والشافي والمعافي، ويفوض أمره له، إضافة إلى التحصن بالأذكار الواردة صباحاً ومساءً، فلا يضره شيطان من الإنس أو الجن، دون أن يجعل نفسه أسيراً لتلك الأوهام؛ نظراً لأنها تسبب العداوات بين الأقارب، فضلاً عن الكثير بدأ يخفف من تقاربه الاجتماعي بسبب خشية العين، مما جعل البعض يتكون لديه هاجس دائم من العين أصابهم بالوهم.