أموت وفي نفسي شئ من حتى
قال سيبويه : أموت وفي نفسي شيء من حتّى !!!
حتّى عقدة سيبويه الكبرى ، فقد حيره هذا الحرف ، وأقضَ مضجعه
فما قصة هذا الحرف يا تـــرى ؟
حتى ...
في بعض الأحيان تعمل كأداة جر
وأحياناً أخرى تعمل كأداة نصب
والأغرب من ذلك أنها تعمل كأداة رفع
والآن إلى بيان هذه الغربية العجيبة التي حيرتنا نحن أيضاً " حتى "
قال تعالى : ( سلامٌ هي حتى مطلع ِ الفجر )ِ
أقول :
سلام : خبر مقدم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره
هى : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر .
حتى : حرف عطف – يفيد الغاية - وجر .
مطلع : اسم مجرور بــ حتى وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره – وهى مضاف .
الفجر : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره .
فــ "حتى" في هذه الآية الكريمة كانت بمعنى حرف الجر " إلى" ، بل وعملت عملها ... فتصرفت كحرف جر… فسبحان الله !!!
ليس هذا فحسب ... بل و حرف عطف أيضاً !!!
مازال في جعبتنا الكثير وما زالت حتى تحيرنا ....
فهذه المرة قررت حتى أن تكون ابتدائية لا محل لها من الإعراب .
وكقولنا : حتى أنتَ يا حلبي!
فسبحان الله - على حتى هــــذه!
هل ذكرت لكم أنها تأتي كأداة نصب ؟
فهى تنصب الفعل المضارع ... كيف ذلك ؟
قال تعالى : ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعَ إلينا موسى ) – طه : 91 .
وقال تعالى : ( وزلزلوا حتى يقولَ الرسول ) – البقرة : 214 .
لا حظ يا أخي حتى هذه فإنا نكاد نموت منها !!!
فقد جاءت العجيبة بمعنى " كي " ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعً إلينا موسى ) .
وكقولنا : أسلم حتى تدخل الجنة – أي : كي تدخل الجنة .
ليس هذا فقط بل وتصلح للمعنين معاً كقوله تعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ) – الحجرات : 29 .
فيحتمل المعنى أن يكون : كي تفئ .... أو إلى أن تفئ
فهي تأخذ عمل أحرف نصب الفعل المضارع – أن . لن . كي
فنستطيع أن نقول : سأقرأ كي أنجح ... أو سأعمل حتى أحقق النجاح .
ولربما نقول : لأسيرنَّ حتى تغرب الشمس . ..
فتعالوا معنا إلى هذا المثال الظريف الذي يتمثل به النحويون كثيراً :
أكلت ُ السمكة َحتى رأسَـها - حرف عطف -
أكلت ُ السمكة َ حتى رأسِـها - حرف جر-
أكلتُ السمكة حتى رأسُها - ورأسُ بالرفع على أن حتى ابتدائية لا محل لها منالإعراب ، و رأسُها مبتدأ ، و الخبر محذوف تقديره مأكول .
هل ذكرتُ لكم قولي : " الأغرب من ذلك أنها تعمل كأداة رفع "
حالة رفع الفعل بعد حتى :
وأما رفع الفعل بعدها فله ثلاثة شروط :
الأول : أن يكون الفعل مسبباً لما قبله :
قولي : ما أمسكتُ حتى طلعَ الفجر .
فهنا امتنع الرفع ، لماذا : لأن انتفاء الامساك لا يكون سبباً للفجر .
الثاني : أن يكون زمن الفعل الحال لا الإستقبال .
قال تعالى : ( وزلزلوا حتى يقولُ الرسول ) .
قال ابن الحاجب : من رفع يقول في الآية فعلى أن الإخبار بوقوع شيئين ، أحدهما الزلزال والثاني القول ، والخبر الأول على وجه الحقيقة ، والثاني على وجه حكاية الحال ، والمراد مع ذلك الإعلام بأمر ثالث ٍ ، وهو تسبب القول عن الزلزال ، ومن نصب فعلى إرادة الإخبار بشئ واحد وهو الزلزال ، بأن شيئاً آخر كان مترقباً وقوعه ليكون مستقبلاً ، وإلا لو قدره واقعاً لكان حالاً على وجه الحكاية " شرح قطر الندى وبل الصدى ص : 111 – 112 .
الثالث : أن يكون ما قبلها تاماً .
فهل عرفتم سر قول سيبويه
" أموت في نفسي شئٌ من حتى "