يا لاهثا وراء الدنيا ... الامام ابن الجوزي
قال ابن الجوزي في كتابه " اللطائف " : أَنت في حديث الدنيا أفصح من " سحبان " وفي ذكر الآخرة أعيى من " باقل " تقدم على الفاني، ولا إقدام " بن معد يكرب " وتجبن عن الباقي ولا جبن " حسان " ويحك إنما تعجب الدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم، لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العاقل فلا يغتر.
كم أتلفت الدنيا بيد حبها في بيداء طلبها، وكم عاقبت عن وصول بلد الوصل، كم ساع سعى إليها سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين يا أرباب الدنيا: إنها مذمومة في كل شريعة، والولد عند الفقهاء يتبع الأم، متى نبت جسمك عن الحرام فمكاسبه كزيت بها يوقد.
هذا " عمر " مع كماله يقول: يا " حذيفة " هل أنا منهم؟؟ وأنت تأمن مع ذنوبك.
إذا كان " بنيامين " نسب إلى السرقة، فأي وجه لخلاص يرجى.
رؤي " عمر " بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال: الآن تخلصت من حسابي واعجبا أقيم للحساب أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟.
يا متلطخا بأقذار الظلم، بادر الغسل من مد العوافي قبل أن يجزرك، لا يغرنك عيش أحلى من العسل، فالمحاسبة أمر من العلقم، ستعلم أيها الغريم قدر عزيمك.
إذ يلتقي كل ذي دين وماطله الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، ليت الحلال سلم، فكيف الحرام؟ كان لبان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فأهلك الغنم، فجعل يبكي ويقول: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا.
ولسان الجزاء يناديه " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم؟ (وَلَتَعلُمَنّ نَبَأَهُ بَعدَ حين) واعجبا من الظلمة كيف ينسون طي الأيام سالف الجبابرة، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، أما شاهدوا مآلهم؟ (فَكُلاً أَخَذنا بِذَنبِهِ) أما رحلوا عن أكوار الندم؟ (فَما بَكَت عَلَيهِم السَماءُ والأرض) أما صاح هاتف الإنذار؟ (كَما تَرَكوا مِن جَناتٍ وَعُيون) واعجبا للمغترين (وَقَد خَلَت مِن قَبلِهِم المَثُلات) أما يكفيهم من الزواجر (وَتَبَينَ لَكُم كَيف فَعَلنا بِهِم) من لهم إذا طلبوا وقت العود؟ (فَحِيلَ بَينَهُم وَبَينَ ما يَشتَهون) كم دار بنعم النعم دارت عليها دوائر النقم؟ (فَجَعلناها حَصيدا)؟ يا معاشر الظلمة: " سليمان " الحكم قد حبس " آصف " العقوبة في سجن (فَلا تَعجَل عَلَيهِم) وأجرى الرجاء (لِئَلا يَكونَ لِلناسِ عَلى اللَهِ حُجة) فلو ذهبت سموم الجزاء من مهب (وَلَئِن مَسَتهُم نَفحَةٌ) لقلعت سكر (إِنّما نُملي لَهُم) (فَلا يَستَطيعونَ تَوصية).
فالحذر الحذر (أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى) (وَلاتَ حينَ مَناص) أبقي في قوس الزجر منزع (أَفَنضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً).
سفينة التقى تحتاج إلى إحكام تام، ولليم منافذ صغار في الدسر، فاحكم تلك البقاع بقار الورع، هيهات قد خرقتها بالكبائر، وما تتنبه لما صنعت حتى يصيح " نوح " الأسى (لا عاصِمَ) يا هؤلاء: فتعاش العدل إذا لم ينتزع شوك الظلم أثر ما لم يؤمن تعديه إلى القلب، لا تعربوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصا.
ويحكم، لا تحتقروا دعاء المظلوم، فشرار نار قلبه محمول بريح دعائه إلى سقف بيت الظالم، نباله تصيب، نبله غريب، قوسه حرقه، وتره قلهه، مرماته هدف، (لأَنصُرَنّكَ وَلَو بَعدَ حين) سهم سهمه الإصابة.
وقد رأيت وفي الأيام تجريب