بارك الله فيكم أخي الحبيب ( الحورى 222 ) ، مسألة الرقية الشرعية تعتمد على كثير من العوامل التي تؤدي على أن تؤثر على الوجه المطلوب ، ومن ذلك صلاح الرجل واستقامته ، ونيته ، وقراءته القرآن بتأما وتمعن ، مع الانتباع لمسألة في غاية الأهمية ، وهي إظهار الصوت بشكل لا يلقي الشبهة في نفس المريض بحيث يعلم يقيناً بأن المعالج يقرأ من القرآن ويدعو من السنة النبوية المطهرة ، دون أن يكون في كل ذلك انتقاص من شخصيته أما الإنس والجن فيرفع صوته بأسلوزب مخل بآداب قراءة القرآن ، ولذلك ذكرت قاعدتين في كتابي الموسوم ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقية ) وهما على النحو التالي :
قاعدة من قواعد الرقية الشرعية : ( الابتعاد عن مواضع الريبة ) :
ومن القواعد الهامة التي لا بد أن تترسخ لدى المعالِج هو الابتعاد عن مواضع الريبة التي توقع العامة في لبس وفهم خاطئ ، كالقراءة بصوت منخفض ، أو التصرف بإشارات مبهمة غير واضحة أو غير معلومة ، بحيث لا يميز المريض ما يقرأه المعالِج أو يقوله أو يفعله ، والأولى القراءة بصوت مسموع لكي لا يكون في الأمر ريبة أو شك ، وقس على ذلك الكثير مما يجب أن يراعيه المعالِج مع المرضى من العامة والخاصة 0
وليس كما يفعل البعض من القراءة بصوت مزعج أو استخدام السماعات والميكرفونات ذات التردد العالي الذي يزعج المرضى والحاضرين ويخرج القراءة عن هدفها المنشود ، وليس الهدف من اباحة استخدام بعض الأجهزة كما بين العلماء حفظهم الله إلا إيصال صوت المعالج للمرضى وذلك بقراءة القرآن والدعاء بالمأثور عن الرسول e ، بحيث يقرأ القرآن بخشوع وتدبر من قبل المعالج ، وكذلك سماعه من قبل المرضى بتدبر وتأمل وفِقه معانيه العظيمة ، هذا هو الهدف والغاية من الرقية والاستشفاء بها ، أما ما يفعله كثير من المعالجين اليوم في استخدام هذه الأساليب بحيث تخرج حتى من التأدب مع قراءة كتاب الله ، فهي أخطاء لا بد أن تقوم لكي نظهر حقيقة هذا العلم والغاية والهدف الذي شرع من أجله والله تعالى أعلم 0
يقول الأستاذ أبو أسامة محي الدين : ( إن الشيطان لا يدع فرصة للدخول منها إلى النفس البشرية إلا وانتهزها ، ومن ذلك مواقف الشبهات واللبس والغموض والوسوسة ، ولذلك يجب على المسلم ألا يقف موقف الشبهات وإذا حدث ذلك فيوضح للناس حاله ومسلكه والغرض من أفعاله حتى لا يدخل الشيطان بينه وبين المسلمين بالوسوسة والإفساد ) ( عالم الجن والشياطين من القرآن الكريم وسنة خاتم المرسلين - ص 140 ) 0
يقول الأستاذ علي بن محمد ياسين : ( لا بد للراقي أن يكون واضحاً في رقيته ، لا يعلوه أو يعلو رقيته غبش أو تلبيس ، يقرأ بصوت واضح مفهوم ليُعلم عنه ماذا يقرأ ؟! وكيف يقرأ ؟! فلا يهمهم أو يتمتم ، ولا يأتي بحركات أو أفعال غريبة بعيدة عن الرقية الشرعية السهلة الميسرة ، بل عليه التقيد بما ورد ، وكيف كان الرسول e يفعل حال رقيته ، لتتميز قراءته بكلام الله والأدعية الشرعية عن همهمات السحرة والدجالين ، ويتضح منهجه الشرعي عن غيره ، فتحصل بذلك المنفعة للناس ويتميز برقيته الشرعية عن أولئك ) ( مهلاً أيها الرقاة - ص 42 – 43 ) 0
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في السلوكيات والأخلاقيات ، فقد ثبت في الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني ( يقلبني : أي يرجعني إلى بيتي ) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال لهما : على رسلكما إنها صفية بنت حيي 0 فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، فقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال شيئا ) ( متفق عليه ) 0
قلت : ومن هنا كان حريا بالمعالِج الاهتمام بهذه الجزئية غاية الاهتمام وتوخي الدقة في كافة التصرفات والسلوكيات المنهجية قولا وفعلا ، دون الخوض في أمور مبهمة أو تصرفات عشوائية ، ولا بد من تقديم صورة واضحة نقية عن الرقية الشرعية وضبطها بالقواعد والأصول والأحكام التي لا بد أن تتحلى بها ، وبالتالي تبدو الرقية علما شرعيا يستفيد منه القاصي والداني وينظر اليه بفخر واعتزاز ، ويصبح نواة وأساسا لحل وشفاء كثير من المشكلات المتعلقة بالأمراض العضوية والنفسية والروحية 0
قاعدة من قواعد الرقية الشرعية : ( قوة الشخصيـة وصلابـة الجأش والقوة في التعامل مع الأرواح الخبيثة ) :
ويتحدد ذلك بالأمور التالية :
أولاً : تصرف المعالِج بحكمة في كثير من المواقف التي قد تواجهه في حياته العملية والنظرية 0
ثانياً : محافظة المعالِج على اتزانه ، دون الغضب الذي قد يؤدي لعواقب وخيمة 0
ثالثاً : دراسة الحالة المرضية دراسة علمية موضوعية مستفيضة ، ليستطيع التعامل معها بناء على معطيات كل حالة من الحالات على حدة 0
رابعاً : الصبر والتأني في التعامل مع بعض الحالات التي تحتاج لفترة علاج طويلة من الزمن ، ومحاولة دراسة أفضل السبل والوسائل الكفيلة بشفاء الحالة بإذن الله تعالى 0
خامساً : الفراسة والذكاء في التعامل مع الأرواح الخبيثة لمعرفة صدق أو كذب ما تقوله ، ليتسنى للمعالِج اتباع الطرق الصحيحة في العلاج التي قد تختصر الوقت والجهد 0
سادساً : استخدام الأسلوب الدعوي الأمثل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال توفر العلم الشرعي الذي يؤهل ويتيح للمعالِج القيام بهذا الواجب الشرعي ، بحيث يتبع طرقا قوية ومؤثرة تلامس شغاف قلوب الجن فتؤثر فيها وتعيدها إلى الباري عز وجل 0
قال الشبلي : ( قال مجاهد : الشيطان أشد فرقا من أحدكم منه ، فإن تعرض لكم فلا تفرقوا منه فيركبكم ، ولكن شدوا عليه فإنه يذهب ، والله أعلم ) ( أحكام الجان - ص 120 ) 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين ويستحسن لمن أراد أن يرقي أن يكون على استعداد نفسي وقوة إرادة وشخصية ويستحسن أن يكون معه أحد لمساعدته إذا لزم الأمر ) ( فتح الحق المبين - ص 122 ) 0
قال الأستاذ محمد الشافعي : ( لابد وأن يكون المعالج على صلة قوية بربه ، وأن يكون قوي الشخصية ، لأن المعالج الضعيف قد تؤذيه الجن ، ويجب أن يتجنب كل الموبقات والآثام ، وأن يعتقد أن الشفاء بيد الله وحده ، ويستحب أن يتوضأ المعالج قبل بدء العلاج ) ( السحر والجان بين المسيحية والإسلام – ص 177 ) 0
ولو تمعنا في القاعدتين السايقتين نجد بأن المعالج لا بد أن يعطي القارءة حقها دون الإخلال العام بالرقية والعلاج والاستشفاء 0
هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( الحورى 222 ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0