خاطب نفسك........
ماذا قدمت في يوم أدبر؟ وماذا أعددت ليوم أقبل؟
في الدهر آلام تنقلب أفراحاً،
وأفراح تنقلب أتراحاً،
أيام تمر على أصحابها كالأعوام،
وأعوام تمر على أصحابها كالأيام،
واللبيب من اتخذ في ذلك عبرةً ومدَّكراً،
قال سبحانه: يُقَلِّبُ اللهُ الليلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرةً لأُوْلِي الأَبصَارِ [النور:44].
والعمر يمضي بما أودع فيه العباد من أفعال، وستعرض عليهم أعمالهم،
( يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَومَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) [القيامة: 13].
فانظر في صحائف أيامك التي خلت؛......!
ماذا ادخرت فيها لآخرتك؟
واخل بنفسك وحاسبها حساب الشحيح،
والرشيد من وقف مع نفسه وقفة حساب وعتاب؛
يصحح مسيرتها ويتدارك زلتها، يتصفح في ليله ما صدر من أفعال نهاره،
فإن كان محموداً أمضاه، واستبق بما شاكله وضاهاه،
وإن كان مذموماً استدركه وانتهى عن مثله في المستقبل؛
لأنه مسافر سفر من لا يعود،
وإن غياب محاسبة النفس نذير غرق العبد في هواه، وما أردى الكفار في لجج العمى إلا ظنهم..
أنهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما يهوون بلا حسيب،
قال سبحانه عنهم: ( إِنَّهُم كَانُواْ لا يَرجُونَ حِسَاباً ) [النبأ:27].
والاطلاع على عيب النفس ونقائصها ومثالبها يلجمها عن الغي والضلال،
ومعرفة العبد نفسه وأن مآله إلى القبر يورثه تذللاً وعبودية لله،
فلا يُعجب بعمله مهما عظم،
ولا يحتقر ذنباً مهما صغر،
وإذا جالست الناس فكن واعظاً لقلبك،....
فالخلق يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك،....
ومن صحح باطنه في المراقبة والإخلاص......
زين الله ظاهره في المجاهدة والفلاح. ....
والتعرف على حق الله وعظيم فضله ومنه وتذكر كثرة نعمه وآلائه ....
يطأطىء الرأس للجبار جل وعلا، ويدرك المرء معه تقصيره على شكر النعم،
وأنه لا نجاة إلا الرجوع إليه،
وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر،
يقول أهل العلم: ( بداية المحاسبة أن تقايس بين نعمته عز وجل وجنايتك، فحينئذ يظهر لك التفاوت، وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته أو الهلاك والعطب ).
وتفقد عيوب النفس يزكيها ويطهرها،
قال سبحانه: قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) [الشمس:10،9]،
وإن أضرَّ ما على المكلف..... إهمال النفس وترك محاسبتها والاسترسال خلف شهواتها حتى تهلك،
وهذا حال أهل الغرور الذين يغمضون عيونهم عن المعاصي ......
ويتكلون على العفو، .........
وإذا فعلوا ذلك سهُلت عليهم مواقعة الذنوب والأنس بها والله يقول:
( يَأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ ) [الانفطار:6]،
والمؤمن قوام على نفسه يحاسبها،
قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِّنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبصِرُونَ [الأعراف:201]
وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وشق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة،
فتوق الوقوع في الزلة،
فترك الذنب أيسر من طلب التوبة،
وأنب نفسك.... على التقصير في الطاعات، فالأيام لا تدوم،
ولا تعلم متى تكون عن الدنيا راحلاً،
دعوة لمحاسبة النفس بتصرف