قال الله تعالى : ** إنّ الإنسانَ خُلِقَ هَلُوعًا *
إذا مَسّهُ الشّرُّ جَزُوعًا * وإذا مَسّهُ الخَيْرُ
مَنُوعًا * إلّا المُصَلّينَ * الّذينَ هُمْ على
صَلَاتِهِمْ دائِمُونَ * والّذينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ * لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ * والّذينَ
يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدّينِ * والّذينَ هُمْ مِنْ عَذابِ
رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إنّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ
* والّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إلّا على
أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ فإنّهُمْ غَيْرُ
مَلُومينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَراءَ ذلك فأُولَئِكَ هُمُ
العادُونَ * والّذينَ هُمْ لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ
راعُونَ * والّذينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ *
والّذينَ هُمْ على صَلَاتِهِمْ يُحافِظُونَ * أُولَئِكَ
في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ ** سورة المعارج 19 - 35
_ قال العلاّمة عبدالرّحمٰن السّعدي رحمه الله
في تفسير كلام المنّان :
وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصفُ طبيعَتِه الأصلِيَة، أنه هلوع .
وفُسِر الهُلوع بأنه :
** إذا مَسّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا **
فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد،
ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما
قضى الله .
** وإذا مَسّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا ** فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره،
فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء .
** إلّا المصَلّينَ ** الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله،
وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا .
وقوله : [ في وصفهم ]
** الّذينَ هُمْ على صَلَاتِهِمْ دائِمُونَ **
أي : مُداوِمُون عليها في أوقاتها بشروطها ومُكَمِلاتِها .
وليسوا كمن لا يفعلها، أو يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص .
** والّذينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ **
من زكاة وصدقة
** لِلسّائِلِ ** الذي يتعرض للسؤال
** والمَحْرُومِ ** وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه،
ولا يُفْطَنُ له فَيُتَصَدَقُ عليه .
** والّذينَ يُصَدّقونَ بِيَوْمِ الدّينِ **
أي : يؤمنون بما أخبر اللهُ به، وأخْبَرَتْ به رُسُلُه، من الجزاء والبعث،
ويَتيَقَنون ذلك فيستعدون للآخرة، ويسعون لها سعيها .
والتصديق بيوم الدين يلزم منه التصديق بالرسل، وبما جاءوا به من الكتب .
** والّذينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبّهِمْ مُشْفِقُونَ **
أي : خائفون وجلون، فيتركون لذلك كل ما يقربهم من عذاب الله .
** إنّ عَذابَ رَبّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ** أي : هو العذاب الذي يخشى ويحذر .
** والّذينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حافِظُونَ **
فلا يَطَأُونَ بها وَطْأً مُحَرَماً، من زنى أو لواط، أو وَطْءٍ في دُبُر، أو حيض، ونحو ذلك،
ويحفظونها أيضا من النظر إليها ومسها، ممن لا يجوز له ذلك،
ويتركون أيضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة .
** إلّا على أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ **
أي : سَرِياتِهِم
** فإنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ** في وطئهن في المحل الذي هو محل الحرث .
** فَمَنِ ابْتَغَى وَراءَ ذلك **
أي : غير الزوجة وملك اليمين،
** فأولَئِكَ هُمُ العادونَ ** أي : المتجاوزون ما أحل الله إلى ما حرم الله،
ودلت هذه الآية على تحريم [ نكاح ] المتعة، لكونها غير زوجة مقصودة، ولا ملك يمين .
** والّذينَ هُمْ لأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ **
أي : مُراعُون لها، حافِظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها،
وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه، كالتكاليف السَرّية، التي لا يطلع عليها إلا الله،
والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار،
وكذلك العهد، شامل للعهد الذي عاهد عليه الله، والعهد الذي عاهد عليه الخلق،
فإن العهد يُسْأل عنه العبد، هل قام به ووفاه، أم رفضه وخانه فلم يَقُم به ؟.
** والّذينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ **
أي : لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه،
ويكون القصد بها وجه الله .
قال تعالى: ** وأقيمُوا الشّهادَةَ لله **
** يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بالقِسْطِ شُهَداءَ للهِ ولَوْ على أنْفُسِكُمْ أوِ الوالِدَيْنِ والأقرَبِين ** .
** والّذينَ هُمْ على صَلَاتِهِمْ يُحافِظُونَ **
بمداومتها على أكمل وجوهها .
** أُولَئِكَ ** أي : الموصوفون بتلك الصفات
** في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ ** أي : قد أوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون .
وحاصل هذا، أن اللهَ وصف أهل السعادة والخير بهذه الأوصاف الكاملة،
والأخلاق الفاضلة، من العبادات البدنية،
كالصلاة، والمداومة عليها،
والأعمال القلبية،
كخشية الله الداعية لكل خير،
والعبادات المالية، و
العقائد النافعة، والأخلاق الفاضلة،
ومعاملة الله، ومعاملة خلقه، أحسن معاملة من إنصافهم، وحفظ عهودهم وأسرارهم ،
والعفة التامة بحفظ الفروج عما
يكره الله تعالى .