ان المجتمعات تعجّ بهؤلاء المصفّقين والمزمّرين لأي شخصية ، قضية ، شعار ،....
ولا تخلو من أولئك الذين يظنّون انفسهم شخصيات خرافيّة ، حاذقة ، بارعة ، فوق التصوّر
ولا تخلو كذلك من المتطفلين الذين يعيشون على اكتاف هؤلاء وأولئك .
ينطبق على المحتمعات والافراد والجماعات رواية الملك الظالم الذي كان يظنّ نفسه متألقا ، بارعا ، مسيطرا ، لا يضاهيه إحد قوة ولا سيطرة ولا نفوذ ولا اناقة .
كان لديه الكثير من الخياطين الذين استُقدموا خصيصا لوظيفة المحافظة على تفرد وأناقة وتميّز الملك .
فكانوا كلما صمموا له ثوبا جديدا ، انطلق موكبه ليعلن بين الناس ان يتجمهروا ليشاهدوا زي الملك الجديد
ورغم غرابة الأزياء وحمقها لكل ذي عين ، إلاّ أنّ السّاحة لم تخلوا من المصفقين المصفّرين الذين أخذهم سحر وأناقة الملك وهو يسير متبتخترا بزيه الجديد فأوسعوه هتافا وشعرا ونثرا.
وجد هؤلاء الخياطون ضالتهم في الملك الاحمق الذي أعماه حبه لذاته عن كل ما يخطّطون له
وبينما يظنّ أنه هو المسيطر والحاكم ، ما كان الا مجرّد لعبة بأيديهم يحرّكون خيوطها كما يشاءون.
فأوهموه ذات مرّة انهم سيطوّروا قدراتهم لينسجوا له زيّا من ضوء القمر
وبدون رمشة عين صدّق الملك أنه لا يستحق الا ثوبا من غزل القمر
اختفى الخياطون فترة من الزمن داخل معملهم يستخلصون خيوط القمر ليجمعوا منها ما يكفي أن يكون ثوبا ليس له مثيل
ولمزيد من التحرّي ، أخذوا القياسات اللازمة وطبّقوها على آلة الغزل ، كلّ هذا والملك معجب بتوقّد ذكائهم
وكانوا يشوّقونه بكلامهم عن الثوب القمريّ ، الذي سيخلّده التاريخ ، ذلك أن أصحاب ( العقل اللبيب ) هم فقط من سيحالفهم الحظ لرؤية الثوب الملكيّ .
وبعد أن ارتدى الملك ثوبه الجديد الذي طالما انتظره ، نادى المنادي ألا فاجتمعوا أيها الناس لتروا ثوب الملك المنسوج خصيصا من خيوط القمر فلن يراه الا من كان ذي ( عقل لبيب ).
تبختر الملك وهو يتنقل بموكبه من مكان لآخر مزهوّا بثوبه الجديد ،يُمنّي نفسه الأماني إن تحقق له الإعجاب والذهول المنشود من الناس ، لتزداد سيطرته واحكامه عليهم . اختفى الخياطون خلف هضبة لمراقبة الجموع المحتشدة من البشر وكلّ يسابق الآخر في الذهول والإعجاب والتصفيق والشهقات ليثبت أنه ذو عقل لبيب.
صبيّ صغير لم يتجاوز السادسة من العمر رأى حقيقة واحدة لا مراء فيها
وهي أن الملك عاري ، فصاح بين الناس وهو يضحك بشدة : الملك يمشي عاريا ....الملك يمشي عاريا ...
ما هي إلاّ لحظات ، حتى انفجر الجميع يتضاحكون ويصرخون : الملك يمشي عاريا ....
عندما تبينت الحقيقة ، هرب الملك محاولا إخفاء نفسه بين الجموع ليصل إلى قصره ويختبئ فيه وهو في حال يُرثى لها.
اذا كان موقف المتطفلين واضح في هذا الزمان ،
وهمهم الأكبر الاستفادة المادية من العمى الذهني للملك ، ومن تصديق الناس وتزميرهم ....
فماذا عن الملك ، هل كان حقا لا يعرف الحقيقة أم أن تمسكه بالوهم هو ما جعله يتمسّك بخيوط القمر ؟
طبعا الحقيقة يعرفها الملك جيدا ، ولم يستطع أن يستوعبها إلاّ عندما رآها في أعين الناس وضحكاتهم فهو لا يرى نفسه الاّ في اعجاب الناس وذهولهم به واستكانتهم له إنّما في الحقيقة هو ليس إلا أحمق أعمى البصيرة .... لم يستطع مواجهة الحقائق المرّة التي خبرها عن نفسه
وماذا عن الناس الذين لم يتوقفوا عن تصديق الأحكام التي ينسبها الملك لنفسه ،
هل أصابهم العمى أيضا ، أم أنه الخوف من مواجهة الملك بحقيقته وظلمه ؟
إننا في الحقيقة ، وعلى مستوى حياتنا الشخصية ، نترك البعض يعمّقون شعور أنهم أصحاب مزايا إعجازيّة
بسبب جبننا وخوفنا على مصالحنا ومنفعتنا ، ونترك المجال للمتطفلين لكي يعشعشوا في الأذهان هذه الأفكار حتى نصبح أول من يصدّقها ونعيش أسرى لها ، ولا نعود نرى سواها ....
بينما لو صرخنا بالحقيقة كما هي أمام هؤلاء كان ما كان قدرهم فنحن قد دفعناهم إلى أن يعيشوا حقيقتهم ، وحقيقة الوضع من حولهم ، مهما كانت النتيجة ومهما كان الثمن.
إن الفاتورة التي ندفعها مرّة واحدة ، أفضل بكثير من الفوائد الربوية التي ندفعها من دمنا واعصابنا طيلة العمر ،
لو لم يكن العصفور معتمدا على الله في رزقه ، هل كان ليبني عشّه في زوايا نوافذ منازلنا وهو عرضة للهدم كل لحظة ؟
نحن لسنا بحاجة لمن يحدّثنا عن العقل اللبيب ، فالذكاء موجود في الشرّ وفي الخير على السواء
نحن بحاجة الى عيون طفل لا تكذب ، نرى بها الحقيقة العارية ونواجه غيرنا بها بصدق مهما كانت النتيجة
لا أن نعطي لأحد أيّ كان ، أهمية وأسلحة ليست له ، ليتقاضى فوائد ربويّة من بنك أيامنا ...بذريعة وجوده فيها ! .