لله درك يا أبا بكر(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة، قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائحنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى، لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية: أتحبين أن أرغي لك، أو أن أصرِّح؟ فربما قالت: أرغ، وربما قالت: صرِّح، فأيّ ذلك قالت،فعل.(إسناده حسن لغيره، أخرجه ابن سعد في طبقاته).
وعن أبي صالح الغفاري أن عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزا فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو أبو بكر الذي يجيئها، وهو يومئذ خليفة فقال عمر: أنت هو لعمري.
ويرحم الله عبد الحليم المصري حيث يقول في بكريته الرائعة:
رأى عمرُ يومًا عجوزًا بِدارها * غدا الموتُ منهـا للبقية حاسِيا
فقال أُواسيها وأقضي أُمورها * فقد عدِمَتْ في المسلمين مُواسِيا
مضى غاشيا في نهرة الصبح دارها * فألفى لها في نهرة الصبح غاشيا
فقال لها مَن كان في الحي سابقي * ومن ذا الذي يبدو له ما بدا ليا
فقالتْ كريمٌ يعْتري الدار سحْرةً * فيجمع أشتاتي ويرحم ما بيـا
فقال سأحيي الليل أرعى طروقه * وأرصد سبّاقا إلى الخير ساعيا
فشقّ رِواق الليل عن رونق الضحى * ولكنه الصدِّيق مَن كان باديا
فألقى الكُى عن عاهلٍ عزّ قبلها * وما حملته النفس إلا المعالـيا
وألقى العصا في جانب من خبائها * وهيّأ فيـه للقدور الأثافيا
فصاح به الفاروق ما كان سابقي * سواك أبا بكر ولا كنت راضيا
أفي كل دار من أبي بكر امرؤ * إذا أهلها نادَوا أجاب المُناديا
ألا عائل إلا تمثلت كافلا * ولا مُشتَكٍ إلا تمثلت آسِيـا
[«ترطيب الأفواه» للعفاني (1/114)]