معظم الرجال المصابون ( برهاب الصراصير ) ،
يخجلون من الاعتراف بهذا الخوف لأنهم يعتبرونه انتقاصا للرجولة ،
وربما هو كذلك.
بينما تصرخ النساء خوفا منه ،
وهو ربما امتداد طبيعي للانوثة لأن الانثى بطبعها ، لا تعرف مواجهة الأمور التي تحتاج الى قسوة وعنف.
لماذا نتوهم ان الامر بحاجة الى عنف ؟
عندما نخاف من أمور لا تشكّل تهديدا حقيقيا ....
يخرج الخوف عن كونه ميكانيكية طبيعية لحماية الإنسان ، ويصبح أمرا بحاجة إلى علاج
البعض يخافون من ( المقرف ذي الشوارب الطويلة ) حين يطلّ علينا ،
وخاصة عندما يحاصرنا في مكان ما.
نصرخ هلعا وفزعا وخوفا ، عندما نشعر انه يتربص بنا ،
ويصيبنا الرعب عندما يختفي ، ولا نعرف مكانه ،
فلا يمكن ان نتصور من أين سيهاجمنا ويفترسنا.
ليس هذا مضحكا أبدا ، فأنا لا امزح، بل اكون جادة حقا ، حين اصرخ رعبا ،
وأتجمد مكاني كالبلهاء ، وأراقب حركاته ، وأستغل سكناته لأهرب الى أي مكان يحميني منه ، لأني لا يمكن ان أؤذي هذا الكائن المقرف الشكل المليء بالاوساخ،
وأستعين بأحد المنقذين الابطال ( من الاطفال عادة ) ، الذي يلاحقه بالمكنسة دعسا ومعسا ، وأغلق عيوني وآذاني حتى لا أرى ولا أسمع عملية الإجهاز عليه.
وينتهي حفل التأبين الخاص به بأن يحمله من أحد أرجله ويلقي به خارجا بعد ان يمسح آثار مصرعه .
ولا ينكر المصابون بهذا المرض حالة ( الحكاك الهستيري ) التي تصيب الجسد ،بعد انتهاء هذا المشهد المرعب ، والتفقد اللا إرادي للوجه والشعر ، وكأنهم يظنّون انه ربما ...لا زال هناك .
لم احاول يوما ان أعرف الاسباب الحقيقية لهذا الخوف ..فما الجدوى من معرفتها ، ونحن نطلق ساقينا للريح و نتمنى ان تنشق الارض وتبتلعنا خوفا من هذا المخلوق العملاق ؟
أن الناس الذين يحملون أوهاماً عن أي أمر من الأمور،
تأتي نتيجة أعمالهم وفقاً لهذا الوهم،
ويتصرفون طبقاً للوهم الذي انطبع في نفوسهم،
كما يتصرف المصاب ( برهاب الصراصير ) ويتخيل الصرصور كائنا ضخما جدا ً،
وعلى هذا يسارع بالانسحاب بأي طريقة وبأي ثمن من الورطة التي وقع فيها،
فإن ما حدث من الوهم في نفسه وقنع به، أعقب عنده هذا المسلك المضحك لمن يعرفون حقيقة الامر ، ولكنه لا يكون ضاحكا عندما يفرّ من الصراصير ، بل يكون جادّا كل الجد.
إن مثل هذا الموقف يمكن أن يحدث لأية أمة من الأمم، ولأي شعب من الشعوب، ولأي شخص من الأشخاص إذا حمل أفكاراً وهمية عمّن يقابله ،
حتى لو كانت هذه الافكار ايجابية في الاعتماد عليه في موضعه بكل حماس اولا ، ثم يعقبه ( رعب الصراصير ) ..ثم الانسحاب المريع ، بعد ادراك الامر.
وسيظل يقبل ويدبر ما دام ما بنفسه عن الموضوع ليس حقيقة، وإنما أوهام كوّنها هو بنفسه ونظراته الذاتية الخاصة، والخلاص من الوهم يتم بادراك الأمر على وجهه الصحيح، وإدراك الوجه الصحيح لا يتم إلا بفتح السمع والبصر.
ولكن كيف يمكن أن نفتح سمعنا وبصرنا ، اذا كنا نهرب من مواجهة الصراصير ، وما دمنا نغلق آذاننا وعيوننا عند الاجهاز عليها ؟ وكأننا لا نصدّق ان الموضوع من الممكن السيطرة عليه.
كيف نتخلص من الاوهام ، وقد خلقت النفوس مطيعة للأوهام، وإن كانت كاذبة
إن كان واقعا في وهمنا أن فتح السمع والبصر أخطر من أي خطر آخر؟
إن الخوف الناشيء عن الوهم المتسلط ، يمنعنا من إدراك الامور على حقيقتها ، ويسبب لنا الشعور بالشلل،
والمشاكل الوهمية المحيطة بنا تعرضنا لأخطار متزايدة عبر الزمن .
وهذه الأوهام تتحكم بالكثير من ردود افعالنا ......
فالاقدام على أمور ، والاحجام عن أخرى ، في معظم الاحيان نتائج طبيعية لهذه الاوهام.
ما أحوجنا الى الحذق في كشف الأوهام...
الى خريطة والى بوصلة ، تخرجنا من أوهامنا ، وتمكننا من السير بأمان بينها ،
في هذه الغابة التي لا تزال تعمر بالغيلان ....