وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع في سلوكه العملي في حياته،وكذلك عند مرضه بين الأدوية المادية التي ينصحه بها الأطباء،وبين رقية نفسه بالقرآن والأذكار... .
أخرج أحمد في المسند بسند صحيح عن عروة قال قلت لعائشة-رضي الله عنها-يا أمَّ المؤمنين أعـجب من بصرك بالطـب،قالت:يا ابن أختي إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن سقم،فوفدت الوفود له فمن ثم ) .
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن عروة قال:قلت لعائشة-رضي الله عنها-عمن أخذتِ الطب؟قالت: (إنَّ رسـول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسقاماً،وكان أطباء العرب والعجم يأتونه فأتعلم منهم ) .
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه قال: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة-رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها)فسألت الزهري كيف ينفث قال كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه.وأخرجه مسلم أيضاً .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
(واعلم أنَّ الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله،وتمنع من وقوعه،وإن وقع:لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً ).
-قلت في صحيح مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:جـاء رجـل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة!فقال: ( أما لو قلت حين أمسيتَ أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق لم تضرك ) - .
ثم قال ابن القيم-رحمه الله-: (والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء .
فالتعوذات والأذكار:إمَّا أنْ تمنع وقوع هذه الأسباب،وإمَّا أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها،بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه.
فالرُّقى والعوذُ تُستعمل:لحفظ الصحة،ولإزالة المرض ) .
وإذا عُلِم ما تقدم ذِكرُهُ وتقريره :
وجب على المسلم اتباعاً للشريعة في فقه التداوي : أن يجمع في دوائه بين الرقية الشرعية ، والأخذ بالأسباب المشروعة ..
وقضيتنا في هذا الموضع : الطب النفسي .
فيقال : الطب النفسي : كثير من قضاياه ،واستمداده ومعارفه : مبنية على نتاج أناس لا يؤمنون بتأثير الجن في أجساد البشر بنوع تصرف ..
ولهذا تراهم يعللون تلك الظواهر - بزعمهم - على أنها : أمراض تصنف بكيفية اصطلحوا عليها ، ثم يبنون على ذلك التقعيد والبحث بعضاً من الأدوية والكيفيات في علاجها .
ولا يعني ذلك : أن كلَّ الطب النفسي خرافة ؛لا؛ بل فيه شيء من الصواب والفائدة ..
ومن فقه العلاج والدواء :أنْ تُعرف العلة المرضية حتى تُعالج بأفضل دواء مناسب ، والأصل في ذلك :
( إذا وافق الدواء الداءَ برئ بإذن الله تعالى ) .
وعِلَّتنا التي نعالجها هاهنا : هي تأثير الأرواح ،وتسلط العوارض الشيطانية ؛ لأسباب معلومة عند الجميع ..
فإذا علمت سلامة المريض عضوياً بعد أخذ الأسباب المادية المشروعة ، وتحقق لدينا أن المرض سواء كان عضوياً ، أو شيطانياً ، أو استفاد الشيطان من المرض العضوي : وجب علينا علاجه بما يناسبه من الأدوية .
قلت نظماً :
وما مِن الشيطانِ ليس يُسألُ ..... عنه الطبيبُ إذْ بذاك يجهـلُ
ولمَّا كان الشيطان إبعاده عن أجساد البشر لا يكون إلا من طريق الشرع وجب علاجه بالقرآن الكريم وصحيح السنة ، والأسباب المشروعة ..
فالعلة الجان ،والدواء القرآن .. وبقي حدوث الشفاء ، وهو بإذن الله تعالى متى شاء كان ذلك . والحمد لله رب العالمين .